أحمد مصطفى عبد الفتاح يصنع قصة من الفراغ في “تمرد”

أحمد مصطفى عبد الفتاح يصنع قصة من الفراغ في “تمرد”

يطل علينا كاتب القصة القصيرة الشاب أحمد مصطفى عبد الفتاح صاحب الأربعة وعشرين عاما من خلال أحلامه كقاص في الحصول على مادة لكتابة قصة جديدة، فيصحبنا معه في شوارع القاهرة وعلى كورنيش النيل ليرصد بعض التفاصيل الإنسانية التي لن تمكنه من إضافة طرح أدبي جديد، ولكنه وبمنتهى البراعة استغل حالة الركود الأدبية التي تسيطر عليه ليصنع قصة من الفراغ.

تماما كما فعل المخرج الإيطالي الخمسيني الأشهر فيدريكو فيلليني في فيلمه الأخير “ثمانية ونصف” والذي يحكي عن مخرج لا يجد فكرة جديدة يصنع منها فيلما في الوقت الذي يلح عليه فيه المنتجون للعودة إلى العمل، فيجمع الممثلين وطاقم التصوير ويذهب إلى اللوكيشن ليخبرهم بأن هذا في حد ذاته هو الفيلم.

وهكذا أحمد مصطفى عبد الفتاح يترك الكاميرا ترصد ما يلفت انتباهها في شوارع العاصمة المصرية ويضفر في هذه الصور المرئية صورا أخرى ذهنية عن حالته المادية والنفسية وتأملاته في الخيال والواقع  ومحاولاته الفاشلة لتكوين قصة من خلال تأملاته في ما يراه ويعجز عن إكماله كعمل أدبي، ولكنه في النهاية يتمرد على حالة الجدب التي تصاحبه ويقرر أن يسرد ككاتب وبطل للقصة هذه الحالة كما هي ويقدمها لتكون هي القصة المدهشة التي تبرز انتصاره كمبدع موهوب على أية معوقات في طريق إبداعه، ويضع لها عنوانا جانبيا (قصة غير مكتملة).

وصرح القاص والروائي الشاب أحمد مصطفى عبد الفتاح إلى “عشرينات” بأنه يعمل حاليا على مراجعة قصصه القصيرة للمرة الأخيرة قبل نشرها في كتاب واحد من المنتظر أن يضم فصلا كاملا من القصص قصيرة جدا أو قصص الومضة، تحت عنوان “كواليس”.

وأضاف عبد الفتاح أنه يعمل في الوقت نفسه على روايته الأولى “للكبار فقط”، وهي رواية طويلة يبذل فيها مجهودا كبيرا للربط بين الأسلوب الأدبي والسينمائي، وينهمك هذه الفترة في دراسة علم نفس الشخصية لرسم شخصيات الرواية بدقة لتناسب الواقع الاجتماعي والعلمي والعاطفي، وبخاصة أن الأحداث غير مبالغ فيها، فالصدق هو مفتاح الرواية.

 

تمرد (قصة غير مكتملة)..

وراء كل مشهد غير مألوف رواية ناجحة..

كانت حكمته المفضلة، إلا أن مشكلته الحالية أن كل المشاهد تبدو له غير مألوفة، كان يعيش كشخص فاقد لذاكرته ويحاول أن يستعيدها. كلما شاهد مشهدًا جميلاً، أراحه من التفكير للحظة، ثم يعيده – المشهد نفسه – إلى التفكير من جديد في أشياء عدة، ذكريات جميلة..! ذكريات طفولة..! ذكريات محجوبة..! رواية ناجحة..!؟

مشهد 1

مقطع 1 .. مساء ذلك اليوم الذي لا يختلف عن بقية أيامه، عائد من عمله، يمر على الكورنيش، يختلس النظرات بسرعة وبنهم، وكأن الوقت يعصره، شابان يتشاجران، قميص الأول يتمزق، والثاني ينزف بعض الدماء من مكان ما في رأسه، الظلام حالك، فضول لمعرفة السبب، وفضول لمعرفة مكان النزيف.

مقطع 2 .. أضواء منعكسة على صفحة الماء، عائدة إليه لتنعكس على روحه، لا يستطيع أن يفهم المشهد.. لأنه باختصار، غير مكتمل.

مقطع 3 .. الكورنيش ينتهي، طفل نائم كـ..طفل متشرد، بجانب سور مطعم، أسعاره لا تجذب إلا من لا يثير مشهد الطفل بداخله أي شيء، عدا شاب يسير بجوار حبيبته، امرأة مندهشة، رجل ثري خسر أمواله أو أصيب بمرض ما.. الأفلام كما تعودتموها.

مشهد 2  ..  3  ..  4 ..

كاتب يائس، يعمل بالصحافة، لا لشيء أكثر من كسب بعض النقود، ليس لكونه ماديا، أو لكونه فقيرا، كلنا فقراء، لكن يوجد بعض الفقراء يستطيعون أن يعطوا زكاة، وفقراء يستطيعون مد أياديهم، وهو يعتقد أنه يجمع بين النوعين، بل وأكثر.

مشاهد كثيرة، وغير مكتملة، ومؤلمة، لا يرغب إلا في كتابة قصة تنقل إلى من سوف يقرأها ألمه، وألم الطفل المتشرد، والشابين اليائسين، والذكريات المشوشة، ألم الكتابة غالبًا يكون أعظم من كل تلك الآلام، يرتبك قلمه، لا يطاوعه عقله في استخلاص المفردات، يصر على الكتابة، ينقل المشاهد كما هي، يتنقل عقله إلى استنتاج رأي الأصدقاء والنقاد فيما كتبه، يتمرد، ويختتم قصته.

 

محمد حمدي

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات