وليد جلال يدمج قيم الوجود الأساسية في قصيدة “فملاقيه”

وليد جلال يدمج قيم الوجود الأساسية في قصيدة “فملاقيه”

عندما يدرك الشاعر أن ثلاثة قيم أساسية لا بد أن يهتم بها هي الحقيقة والعدالة والجمال، لا بد أن يكتب قصيدة مثل “فملاقيه” التي كتبها الشاعر المصري الشاب وليد جلال، ليفرغ على الأوراق نتيجة بحثه وما يفترضه من حقائق للخروج من التوتر المصاحب لحالة التأمل تلك.

يقدم جلال من خلال لغة شعرية رائقة محملة بجماليات خاصة وأخاذة تفاصيل اللحظة التي يقف فيها عقله وضميره أمام وجوده الرومانسي بين أنياب الميتافيزيقا والأخلاق والفن، والذي يتمنى أن تنتهج البشرية كلها ما يتصوره حلا لمشكلات العالم، كرد فعل منطقي لحاجة الإنسان الغريزية للتوحد مع بني جنسه.

ومع أن الشاعر انتهى، على ما يبدو، من تأمله إلا أنه يقدم في قصيدته “فملاقيه” التجربة كاملة مع البؤر الرئيسية التي جسدت مجالات بحثه، فيبدأ القصيدة “على قَدَمٍ مِن مَجازٍ / على قَدَمٍ مِن حَقيقةْ” ليؤكد أنه لا أحد يمكنه الوصول إلى الحقيقة المطلقة في النهاية، ثم يقدم حلا شافيا من وجهة نظره لمتاهة الميتافيزيقا ووجود الإنسان ومصيره بجملة أمر “إلى اللهِ سِرْ خاشِعًا / خُطَّ كافَكَ / وارْضَ بأيَّةِ نونٍ يشَاءْ”.

ومن هنا ينطلق الشاعر إلى البؤرة الثانية التي يرى فيها تعطلا لقيمة العدالة، فيشير إلى القضية الفلسطينية في قوله: “إلى القُدْسِ / في القُدْسِ كُلٌّ يشيِّدُ مِعْرَاجَهُ”، ويبشر بأن تحقيق العدالة فيه خلاص البشرية من وجع الضمير فيقول في نهاية قصيدته: “وبعدَ التَّلاقِي.. سأكدَحُ كدْحَا /  إلى أَنْ أُذَوَّبَ حُزْنًا وفَرْحَا / فلا أسْتَرِيحُ سِوى بعِنَاقِ”، ولا يغيب على أحد أن قيمة الجمال قد تحققت بالفعل عندما فرغ الشاعر من كتابة القصيدة المملوءة جمالا وإبداعا وذوقا رفيعا يهذب النفس ويشففها لترى الأمور على حقيقتها وتقدرها حق قدرها.

وكشف الشاعر وليد جلال في تصريح إلى “عشرينات” أنه يعد حاليا ديوانه الأول للنشر باسم “نقوشٌ على سطحِ ماء”، موضحا أن الديوان سيحوي 25 قصيدة، وسيكون مقسما إلى 5 أقسام داخلية تحت كل قسم قصائد تنتمي إلى حالة شعرية واحدة وان اختلفت التجربة في كل قصيدة.

وأضاف الشاعر الشاب أنه “بوجه عام الثورية والاغتراب المكاني والوجودي هي الحالات الأكثر وجودا في الديوان”، مشيرا إلى أن “قصائد الديوان بعضها ينتمي بنائيا إلى القصيدة العمودية والبعض إلى قصيدة التفعيلة، وهناك تنوع كبير في الإيقاعات الشعرية حيث كتبت قصائد الديوان على ما يزيد عن 10 بحور من بحور الشعر العربي المعروفة”.

***

فمُلاقيـه

على قَدَمٍ مِن مَجازٍ

على قَدَمٍ مِن حَقيقةْ

أسيرُ إلى اللهِ

يتبعُني مَوْكبٌ مِن شُيوخِ الطَّرِيقَةْ

يقولونَ إِنِّيَ أكدَحُ كَدْحًا

وإِنِّي مُلاقِ

وقالَ عجُوزٌ شديدُ بياضِ السَّرِيرةِ:

ما الوَجْدُ؟..

قلتُ: احْتِرَاقِي

وما البُعْدُ؟..

قلتُ: انْفِلاقِي

وما المَوْتُ؟..

قلتُ: انْعِتَاقِي

فقالَ: إلى الطُّورِ سِرْ يا بُنَيَّ

وكَلِّمْ

إلى بَيْتِ لَحْمٍ

ورَنِّمْ

إلى القُدْسِ

في القُدْسِ كُلٌّ يُشَيِّدُ مِعرَاجَهُ

وبُراقُكَ أنتَ

وأنتَ الوجودُ

وأنتَ الهَبَاءْ

إلى اللهِ سِرْ خاشِعًا

خُطَّ كافَكَ

وارْضَ بأيَّةِ نونٍ يشَاءْ

إلى القُدْسِ

في القُدْسِ كُلٌّ يشيِّدُ مِعْرَاجَهُ

……

قالَ ما قالَ ثُمَّ اخْتفَى

رُبَّما هو جِبريلُ جاءَ يُعلِّمُني

أوْ هو العِلْمُ جاءْ

نتُوقُ إلى النُّورِ

هلْ تاقَ أيضًا إليْنَا

فمدَّ يدًا مِن ضِياءْ؟

…….

أسيرُ إلى اللهِ

مُنْسَلِخًا مِن زَمَانِ التَّمَعْدُنِ

مُنْسَلِخًا مِن حَوَاسِيبهِ الخَانِقَاتِ

ومِن مَرْكَبَاتِ الفَضَاءْ

أَسِيرُ إلى اللهِ

يتْبَعُنِي مَوْكِبٌ مِن مُرِيدِي الفَنَاءْ

يُرافِقُنِي النَّمْلُ

كيْ يسْتَظِلَّ بغيْمٍ يُرافِقُنِي

أَصْحَبُ النَّملَ

أهربُ مِن غَيْمَةٍ ظَلَّلَتْنِي

إذا حَجَبتْ بالظِّلالِ السَّمَاءْ

…….

سأكدَحُ كدْحًا.. وإِنِّي مُلاقِ

وبعدَ التَّلاقِي.. سأكدَحُ كدْحَا

إلى أَنْ أُذَوَّبَ حُزْنًا وفَرْحَا

فلا أسْتَرِيحُ سِوى بعِنَاقِ

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات