ربما من الطبيعي أن نشكو إلى الأم من أساءوا إلينا، ولكن إلى من نشكو الأم إذا هي أساءت؟ وإذا كانت أمنا الأرض تسيء فما الذي يعصمنا من الحزن والخوف إذن؟، وإلى أي مدى يمكن أن يسيطر علينا الحزن والخوف؟
في قصيدة “وشم” يمسك الشاعر المصري الشاب، سامح سكرمة، بتلابيب لحظة يمتزج فيها الخوف بالحزن، مع فقدانه الثقة في معايير قيم الحياة الأساسية “الحق والخير والجمال”، فيبدأ قصيدته بمجموعة من الجمل التي تحمل مضامين قيمية مخالفة لما تعودنا عليه تماما، فيقول إنه “مضى مثخنا بالمنازل”! وكأن المنازل التي تؤوينا أصبحت محلا للجراح، وفي السطر الثاني “معتذرا عن صبابته”! بدلا من طلب التعاطف مع شدة حبه، ثم يدين نفسه في السطر الثالث وكأنه يقر باستحقاقه العقاب فيقول “تلك حيلة من كابد الياسمين” وهي الجملة التي لا تخلو أيضا من تعبيره عن فقدانه الثقة في معايير الجمال فيصف التعلق بجمال زهرة الياسمين اللطيفة بأنه مكابدة.
أي حزن ذلك الذي دفع سكرمة إلى هذه الحال، إلا أن تكون أمه الأرض قست عليه و”فرت على وجهها” كما يقول بينما كانت “الفضاءات تهزأ منه”، لقد تخلت الأرض عنه إذن وأفقدته القدرة على التنعم بالخير والجمال، فتحول بعدئذ إلى شخص يعتاد الحزن لدرجة أنه كما يقول: “لا حيرتي تسأل الراحلين بكاء / ولا خلوتي تتسول زيتا لقنديلها” وهو يعتبر ذلك حاملا قيمة الحق، مبررا حالته بأن “العجائز يطبعن وشما بحجمِ انكساراتهن على روحنا”.
ولا ينتهي سكرمة من قصيدته قبل أن يخبرنا بأن المستقبل يحمل له الخوف نفسه “غدنا ملء رجفتنا”، وبما أن الخوف حلته ومصيره فيستسلم لانكساره ويقول “دمنا طوع نكستنا / يدنا ملك رهبتنا”.
وفي تصريح إلى “عشرينات” كشف الشاعر الشاب سامح سكرمة عن اقتراب صدور ديوانه الأول “التحرر من نوبات الغياب” عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، على الرغم من أن ديوانه الثاني صدر بالفعل العام الماضي تحت عنوان “نقوش على خرز أزرق” وهو الديوان الفائز بجائزة المسابقة المركزية لقصور الثقافة المصرية في العام 2011، كما أفصح عن أن له مجموعة قصصية تحت الطبع حاليا.
وعن مشروعه الشعري قال سكرمة: “في الأساس أحاول الاتكاء على الذات، والطرح المغاير المتفرد المبدع باستخدام لغة مميزة، وجعل التجربة الشعرية أكثر اتساعًا لتعبر عن الهم الجمعي وتكتسب أبعادًا أكثر إنسانية تفتح أبواب الاتصال بشرائح متعددة من المتلقين”، مضيفا: “وهذا واضح في أقسام ديواني الثاني: (نقوش على خرز أزرق) الأربعة، فكل منها حالة مميزة تلتحم مع الأخرى لتشكل بناءً ذات أبعاد إنسانية وإبداعية”.
***
وَشْم
مضى مثخنًا بالمنازلِ
معتذرًا عنْ صبابتِهِ
تلكَ حيلةُ منْ كابدَ الياسمين
لياليهِ مثقلةٌ بالأحبَّةِ
هلْ تدركُ الأرضُ قسوتَها
حينَ فرّتْ على وجهِها
والفضاءاتُ تهزأُ منهُ
يعضُّ على إصبعِ الحزنِ
لا حيرتي تسألُ الراحلينَ بكاءً
ولا خلوتي تتسوَّلُ زيتًا لقنديلِها
حينَ يقصفُهُ الحزنُ
إنِّي على العهدِ يا زعفرانَ الضواحي
يا رملَها..
يا سواقي الدموعِ
إذا احتدمَ الليلُ تصَّعَّدينَ منَ القلبِ
أنتِ ابتهالُ البراءةِ
نرجسةٌ ليس لي أنْ أراودَها عنْ شذَاها
رؤىً في عيوني مخبَّأةٌ
صورةٌ غيرُ صيحتِهِ في الشواهدِ
حينَ تُسمِّرُ أطرافَهُ
والعجائزُ يطبعْنَ وشمًا بحجمِ انكساراتهِن على روحِنا
ثمَّ يصرخْنَ بينَ أزقَّةِ أحلامِنا
والجراحِ الطويلةِ تلكَ التي لم تزلْ
تتمددُ.. تكبرُ فينا
ونصغرُ فيها!
…………
“غدُنا ملءُ رجفتِنا
دمُنا طوعُ نكستِنا
يدُنا ملكُ رهبتِنا”
هكذا لقنتني المراضعُ لما تفتّحتُ بالحزنِ
وابتلَّ صوتي بنارِ الفَجيعة
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات
الوسومالأرض الثقة الحزن الخوف سامح سكرمة قصيدة وشم