حينما رأيت سحنته الساذجة وعيونه الناعسة وشعره المسبل على جبينه، استيقظت في داخلي ذكريات الطفولة الجميلة، وتجسد أمام ناظري ذلك الطفل الصغير الذي كان يوفر من مصروفه اليومي ليتمكن من شراء مجلته المفضلة من مكتبة العم عديني القريبة من المدرسة، وكيف كانت الابتسامة ترتسم على محياه ويملؤه الفرح حين يحصل على العدد الجديد صباح الأربعاء ويركض مسرعاً إلى البيت ليقرأ آخر قصص شمسة ودانة وزكية الذكية وخلفان وفهمان، مروراً بالنكت وعمود هل تعلم ومن كل بستان زهرة وغيرها من الأركان المفيدة التي كانت تزخر بها المجلة، كل هذه الذكريات أعادتها صورة كسلان جداً التي رأيتها صدفة في البِقالة وكأنها بالأمس.
كان لمجلة ماجد التي أصدرتها مؤسسة الإتحاد الإماراتية للطباعة والنشر في نهاية السبعينات دور كبير في تنمية حب القراءة وزيادة رصيد المعلومات و الثقافة لأجيال كثيرة من أبناء الوطن العربي خلال ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي، وكانت المجلة الأولى عربياً الموجهة للأطفال سواءً من ناحية المادة التحريرية المتميزة التي تعدها نخبة من الكتاب الكبار والرسامين المقتدرين أو من حيث مستوى الانتشار والتوزيع الذي كان يغطي أغلب المنطقة العربية.
استطاع القائمون على مشروع المجلة أن يجمعوا بين طياتها التسلية والفائدة بأسلوب سلس غير ممل، جذب إليها الكثير إن لم أقل كل أبناء تلك الفترة الزمنية من الأطفال والمراهقين، وتحولت متابعة آخر ما يرد في أعدادها الأسبوعية من معلومات وقصص إلى مجال رئيسي للتنافس بين أبناء المدرسة والحي، وكان ورود اسم أحدهم في المجلة مدعاة للفخر والتباهي بين الرفاق.
توقفت عن شراء المجلة ومتابعتها منذ سنوات – بعد أن كبرنا وكبرت همومنا – ولم أرها إلا مؤخراً، حيث لاحظت كيف تغيرت أغلفتها وتغير مضمونها، حتى الشخصيات الرئيسية اختفى أغلبها عن صفحات المجلة، والرسوم التي كانت تعد يدوياً وبألوان طبيعية تنم عن إبداع راسميها تحولت إلى أشكال إلكترونية مكررة تشبه المسوخ، والمواد التثقيفية التي كانت ترضي نهمنا للمعلومات آنذاك انحسرت مؤخراً ولم تعد تمثل إلا مساحة ضئيلة جداً بعد أن طغت عليها الإعلانات والدعايات التجارية.
أحدهم رآني أقلب المجلة وأتابع صفحاتها باهتمام، فبادرني بالسؤال : الأخ من جيل كسلان جداً !؟ استغربت سؤاله في البداية ولكن الابتسامة التي أتبعها سؤاله هدأت من استنكاري، ليضيف شارحاً بأنه رآني أقلب مجلة ماجد التي كان هو أيضاً من متابعيها والمغرمين باقتناء أعدادها، معتبراً أنه بكل فخر من أبناء جيل كسلان جداً، الجيل الذي كان يهتم بالثقافة والمعلومة المفيدة، قبل أن تغزونا التكنولوجيا اليوم بتفاهات البلاي ستيشن والوي والكومبيوتر جيمز التي احتلت عقول الصغار قبل الكبار وحولتهم إلى ما يشبه الروبوتات، فالشاب من أبناء اليوم لا يمتلك ربع المستوى المعرفي الذي كان يتمتع به مراهق جيلنا.
ترددت كلمات الرجل في مسامعي وأعدت إسقاطها على ما نراه هذه الأيام من عزوف عن المكتبات التي أصبحت مهجورة من الرواد، وتعلق مفرط بالفضائيات والبرامج الهابطة والعلوم التي لا يضر جهلها ولا تنفع معرفتها وما تبثه المنتديات الإلكترونية من مواضيع لا قيمة لها، وجهل فاحش باللغة العربية التي باتت مهددة بالإندثار والتحول إلى لغة منسية لا يتعلمها سوى الباحثون في التاريخ وميثولوجيا الشعوب كاللاتينية والسريانية والهيروغليفية، فلتفخر عزيزي القاريء إن كنت مثلي من جيل “كسلان جداً”.
محمد سيدي
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات
الوسومأدب أطفال الثقافة الشباب اللغة العربية خلفان زكية الذكية فضولي فهمان كسلان جدا مجلة ماجد