مع صبيحة كل يوم جمعة يرتدي الشاب محمد بشير 32 عاماً من مدينة القدس المحتلة بزته البرتقالية ثم يسير بخطى ثابته نحو ساحات المسجد الأقصى، ليضم إلى دفاتر أيامه عطاءً آخر من عطاءاته التطوعية في خدمة المصلين الذين يأمون المسجد طيلة أيام السنة، وفي شهر رمضان على وجه الخصوص.
يتحدث محمد عن يومه التطوعي وبالتحديد عن أيام الجمعة في رمضان، التي يتدفق فيها المصلون باعداد كبيرة إلى المسجد الأقصى ، فيقول :”مع الساعة الثامنة صباحاً ارتدي الزي الخاص بجمعية نوران الخيرية التطوعية التي اتطوع ضمنها، واتوجه إلى ساحات الأقصى، وهناك أقوم بمساعدات الفتيات المتطوعات على نصب خيام الاسعاف في صحن قبة الصخرة وهو المكان المخصص لصلاة النساء”.
تتطاير الحروف من بين شفتيه تعبيرا عن فرحته العارمه عما يقوم به، فيضيف :”بعد الانتهاء من نصب خيام الاسعاف الخاصه بالنساء، ابدء بالتجوال ضمن فرق المتطوعين، بحيث نقسم انفسنا إلى مجموعات وننتشر بين المصلين، ونكون على اتصال بعيادة الاسعاف وبنفس الوقت اي حالة تكون بحاجة إلى اسعاف نقوم بتقديم الخدمه لها سواء في نفس المكان او نضطر لحملها إلى العيادة”.
ويستدرك بالقول :”نبقى على هذا الحال، نراقب الناس في كل مكان، نمسك بيد هذا الكبير بالسن، نداعب الاطفال في احيان آخر، وفي اعقاب صلاة العصر حيث تبدء جموع المصلين بالمغادره نبدء بالاستعداد لجمع انفسنا ومن ثم المغادره”.
حكاية التطوع
نسترجع مع محمد بداية التحاقة بميدان التطوع، فيقول :”أنا متطوع منذ 3 أعوام، وبدأت حكايتي عندما كنت في الأقصى حيث شد انتباهي قيام بعض المتطوعين بمساعدة قريبة لي، هذه الحادثه ترك الكثير في نفسي وكانت محفزا لي بأن أصبح بين هؤلاء المتطوعون”.
“روعة العمل الذي قدمه المتطوعون أمامه، وتعاطيهم مع المصلين بروح من الحب”، دفعت محمد كما يقول، للالتحاق بدوره اسعاف أولي نظمتها الجمعية، وهو ما أهله ليكون مسعفا متطوعا مع باقي زملاءه بالجمعية.
سألناه عما إذا كان يقوم بعمل تطوعي قبل ذلك، فرد بالقول :”كثيرا ما يقوم الانسان بعمل فردي، فتساعد شخصا هنا أو هناك، لكن العمل التطوعي المنظم ضمن مؤسسة له مذاق خاص، وأنا كنت كذلك قد اساعد احد لكن لا يمكن أن اسميه هذا عمل تطوعي، فالتطوع له معنى آخر عن الشفقه”.
تنساب عبارت الوصف عما يشعر بداخله من رضا، ويقول :”هدفنا الأساس والأول ارضاء الله عز وجل وكسب الاجء في خدمة الناس والمصلين، فأجمل شيء تشعر به عندما ترى البسمة قد ارتسمت على وجوه الآخرين وتكون انت من يرسمها، وهذا ما قد يوصلنا إلى رضى النفس عما نقوم به”.
ويضيف “عندما يكون عملك غير منتظرا منه المقابل المالي، ولا تنتظر أن يكون لك منه منفعة دنيويه، وقتها تشهر بعظم ما تقوم به من صدقات عميقه، عدا عن أن هذا العمل يجعل تعيش مع باقي الفريق معاني الاخوة التي من اجلها اجتمعنا”.
وفي الختام، سألناه عن انعكاس هذا العمل على اسرته وأهل بيته، فقال :”أهلي يشعرون بسعادة لا توصف مما اقوم به، وشقيقي الأصغر إنضم لمجموعات المتطوعين، وهذا يجعل الانسان يفخر بعمله، ويكشبه مزيدا من العلاقات الاجتماعية الطيبة”.
إفطار الصائمين
لا يكتفي المتطوعون بالأقصى على تقديم الخدمات الطبية، بل إن هناك مجموعات أخرى تعمل على تنظيم المصلين ومنع التدافع عند البوابات الرئيسية، كما أن هناك مجموعات أخرى تساهم في تحضير وجبات الافطار وتوزيع المياه والتمور على الصائمين.
ويوضح فواز حسن، المتابع لأعمال مؤسسة الأقصى للوقف والتراث والمتابع لمتطوعي المؤسسة، بالقول :”ينتمي لمؤسسة الاقصى نحو 20 متطوعاً بالإضافة إلى 5 متطوعات، ونقوم يوميا بتوزيع 1500 كيس يضم تمور، إلى جانب 1500 علبه ماء، في الايام العادية، وفي ايام الجمعة يصل العدد إلى 3 آلاف”.
ويتابع بالقول :”يتمثل دور المتطوعون بوضع التمور بأكياس ثم توزيعها إلى جانب علب الماء على المصلين قبيل الافطار، إلى جانب تخصيص مكان لتناول الافطار وتوزيع الوجبات الساخنه”.
وحول الهدف الذي يسعى متطوعوا المؤسسة لتحقيقه، يوضح بالقول :”الجميع يتسابقون لتحصيل الاجر والثواب عاملين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من (فطر صائما فله مثل أجره)، فالجميع هناك يأتي لكسب الاجر والثواب وخدمة المصلين في المسجد الاقصى المبارك”.
أما عن طبيعة العلاقة التي تربط المتطوعين فيما بينهم، يوضح بالقول :”علاقة اخوة وتكمل فكل واحد منهم يحاون أن يكون قدوة، وأن يكسب الاجر والثواب، وهذا يدفعهم إلى تقديم الخدمات بأفضل ما يكون”.
وإلى جانب مؤسسة الأقصى، تعمل مؤسسة “البيارق” من طرفها على توفير مجموعة البيارق التطوعية، والتي يتمثل دورهم في تنظيم الوافدين والخارجين من وإلى المسجد الأقصى، حيث تعمل هذه المجموعات على تخفيف الزحام على بوابات الأقصى وتسهيل عبور الناس، إلى جانب مساعدة كبار السن والنساء في التحرك.
التطوع عمل رائع
من جانبه، يشير جواد البكري، نائب رئيس جمعية نوران الخيرية بالقدس وأحد المدربين للمجموعات التطوعية بالقول :” التطوع عمل رائع جداً، خاصة أنه يأتي من منطلق انك تقوم بعمل ترغبه وانت راغب بعمله ولا تنتظر مقابل مادي عليه، فكل شيء بالحياة تقوم به من أجل مقابل، أما التطوع شيء انت تختار عمله”.
وحول فؤائد التطوع التي تنعكس على شخصية المتطوع يقول البكري :”التطوع يمنح الشخص الذي يقوم به قدرة على الاختيار، وتأثير ايجابي على شخصيته، نظرته للمستقبل إذ تمنحه قدرة على اتخاذ القرار”.
ويضيف بالقول :”ما يثوم به المتطوع من مساعدة الآخرين ينعكس على شخصيته ويزيد ثقته بنفسه، إلى جانب الاحساس بالحرية ويميل الشخص إلى العطاء اكثر، هذا إلى جانب تعامله مع المجتمع والميحط بشكل مختلف تماما عن الآخرين، إذ يصبح شخص محبوب ومرغوب من قبل المجتمع، إضافة إلى ذلك فإن التطوع يفتح آفاق مستقبلية للمتطوع في مجال تخصصه وربما يفتح له مجالات عمل كان يرغب في خوضها”.
ويؤكد البكري على أن التطوع مفيد للشباب والمجتمع، إذ أنه يتم توجيه طاقات الشباب بالاشياء المفيده والبعد عن الاتجاهات السلبية وهو ما يعزز القيمة الايجابية بالمجتمع وتقليل القيم السلبية فيه.
سليمان بشارات
أقراء أيضا :
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات
الوسومإفطار الصائمين الأقصى القدس المسجد الأقصى تطوع رمضان