محمد هشام شاعر مصري شاب من محافظة كفر الشيخ، من مواليد العام 1990، تخرج في كلية الآداب قسم علم النفس بجامعة كفر الشيخ، وبدأ كتابة الشعر في العام 2010، وعلى الرغم من قصر مدة تجربته الشعرية إلا أنه استطاع أن يقطع مسافات طويلة في وقت وجيز، حيث جهز هشام ديوانه الأول “ثم لم يأتنا الماء”، ليمثل للطبع ومن ثم الخروج إلى الجمهور معرفا بنفسه وبتجربته الجادة المليئة بالدهشة اللغوية والتصويرية الشعرية.
وقصيدة محمد هشام “لست أذكر شيئًا عن الأمس” تفتحُ البابَ واسعا أمام الحديث عن التفاعل مع التراث الشعري إلى درجةٍ تتجاوز اللغويَّ والجماليَّ إلى الميثولوجي، واستطاع الشاعر بذكاءٍ فنيّ كافٍ أن يخترق ما هو مألوف من الاستدعاء التراثي، الذي كان كثيرا ما يقف عند حدودٍ بلاغيةٍ معروفة ومطروقة إلى حدودٍ جماليةٍ جديدة تتضمّنُ في طياتها نوعًا من المساءلة وإعادة الصياغة، وتصل أحيانا إلى مستوى التشريح والوقوف في وجه الأسطورة والحكاية التراثية بندّيةٍ كاملة، تسمحُ للصوتِ الشعريّ بتشكيلِ أسطورته الخاصة.
وصرح الشاعر محمد هشام، إلى “عشرينات” بأن القصيدة تنتمي إلى ديوانه الأول “ثم لم يأتنا الماء” الماثل للطبع من قبل الهيئة المصرية العامة للكتاب، والتي من المنتظر أن تصدره ضمن سلسلة “إشراقات جديدة”.
وقال هشام: “أتطلع إلى المضي قدما نحو أفق جديد وتجربة أكثر انتماءً إلى الحقيقة الذاتية”، مضيفً: “البحث الدائم عن الإنسان الكامن بين الكلمات هو الباعث الأقوى والمحرض الكبير لي على الخوض في مغامرة مبتكرة في أفق الكتابة الشعرية التي تسعى لخلق عالم آخر من المرئيات والإيقاعات الممتلئة والممتزجة بالذات”.
***
لستُ أذكرُ شيئًا عن الأمس..
{هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهرِ لم يكن شيئًا مذكورا} سورة الإنسان.
كان بيتي على ضِفَّةِ النَّجْمِ
والرِّيحُ صوتُ نشيدي
وعيناي لا تعرفانِ الطريقَ إلى الأرضِ،
لا تذكرانِ الذي جاء بي للفضاءْ
صاحبتني الطيورُ
وقالت: وجدناكَ
طفلاً بلا أبوينِ يسيرُ على العشبِ
يبكي ضياعَ صبيَّتهِ حين صارت أميرة
فحَمَلْناكَ في الحُلْمِ،
ثم مَنَحْناكَ تاجَ المصيرِ
أنا لستُ أَذكُرُ شيئًا عن الأمسِ
غيرَ مرايا لأفئدةٍ
نِصْفُ تُفَّاحِها عَسَلٌ
والبقايا جَسَارة
وعُلِّمتُ مَنْطِقَ طَيْرِي،
وأُوتِيتُ من كلِّ شيءٍ
وحدَّقْتُ
حتى تَكَشَّفَ لي ما تُسِرُّ النُّجومْ
عادَ لي هُدهُدِي قال:
إني وَجَدْتُ الأميرةَ تملِكُ قَصْرًا من الوردِ
لكنَّ حُرَّاسَهُ كالرُّجومِ،
وَلَنْ تَبْرَحَ القصرَ
حتى تَجِيءَ لها بكتابٍ
بهِ ذكرياتُ الذينَ انْقَضَوْا في الزمانِ
وَحَلُّوا بأرواحِهِمْ في الوجودِ
– ولكنني لستُ أذكرُ شيئًا عن الأمسِ،
مَمْلَكَتي جَوْقَةٌ للتَّجَلِّي
وتحتِي أراضٍ بها أُمَمٌ لا تُغَنِّى
قديمًا على هذه الأرضِ
من قَبْلِ أن تحمِلوني إليكمْ:
رأيتُ الكلامَ خواتمَ فضِّـــيَّةً في عيونِ الصِّغارِ،
وجاء غريبونَ في اللَّيلِ
جيشًا من الرُّعْبِ،
أفئدةً نصفُ تَكْوينِها خَشَبٌ
والبقايا حِجَارَةْ
وَوَحيدًا تَلَفَّتُّ
واخْتَـــــبَأَ الأهلُ في الدُّورِ،
خافوا على ذهَبِ الشَّجَراتِ
ولم يَقْطَعوها حِرابًا
لِتُنْشَبَ في حَنْجَراتِ الأعادي
فَضَلُّوا إلى ذِكرياتِ الشموسِ،
وضاعَ الكتابُ الذي ضَوَّأَتْهُ العيونُ
فصارَ الكلامُ سَرابيلَ
والشعراءُ يقولونَ ما لا يقولونَ
أو يفعلونَ
وغابتْ أميرةُ روحي
وما زلتُ في غُربَتِي عالِقًا في الفضاءِ،
أنا لستُ أذكرُ شيئًا عن الأمسِ
هاجَرَتِ الأرضُ من تحتِ لَيْلِى
لأُغنيةٍ نصفُ أَوْتَارِها صَدَأٌ
والبَقايا تِجارَةْ
عادَ لي هُدْهُدِي قالَ:
إنَّ الأميرةَ تَنْــتَظِرُ الذكرياتِ
الغناءَ
الرَّبابةَ
رُوحَ الكلامِ النَّبيلِ
وأورِدَةَ العاشقينَ القُدامَى
فقلتُ:
أُحاولُ أنْ أتذكَّرَ
لكنَّنِي
غِبْتُ في التِّيهِ
لم أُحْصِ كمْ لَيْلَةٍ بِتُّها فوقَ كُرْسِي دَمْعِي
حتى سَقَطْتُ من الجوِّ مُلقًى أَسًى
بعدما أَكَلَتْ دَابَّةُ الأرضِ مِنْسَأَتِي
***
محمد حمدي
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات
الوسومثم لم يأتنا الماء قصيدة لستُ أذكرُ شيئًا عن الأمس محمد هشام