يجذب أئمة وقراء شباب مغاربة ملايين المصلين خلال صلوات التراويح في شهر رمضان المبارك في العديد من مساجد البلاد، بفضل ما حباهم الله تعالى من أصوات ندية مقرونة بحسن التلاوة وإتقان القواعد.
وأضحى هؤلاء القراء الشباب “نجوما” بحق يتلألؤون في سماء الشهر الفضيل، يأتيهم الناس من كل حدب وصوب، ومن أماكن بعيدة، أملا في الإنصات للقرآن الكريم والاستمتاع بأصواتهم القوية والطرية، من أجل مزيد من الخشوع في صلواتهم كل ليلة.
وتشتهر في تراويح رمضان بالمغرب أسماء قراء شباب كُثُر، من أبرزهم القارئ المتألق الشيخ عمر القزابري، والقارئ المتميز الدكتور عبد الرحيم النابلسي، والعيون الكوشي، وعبد العزيز الكرعاني، وحسن مسيمك، وعبد الكبير الحديدي، وغيرهم كثير.
قراء نجوم
وتكاد كل مدينة في المغرب تعرف بروز اسم قارئ متميز يجلب بصوته الرخيم آلاف المصلين الذين يفدون إليه من كل مكان في تراويح رمضان، وخاصة في المدن الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة وفاس وغيرها من المدن الأخرى.
وتحظى الدار البيضاء بحصة الأسد في ضمها للقراء النجوم في تراويح رمضان، أشهرهم على الإطلاق القارئ عمر القزابري الذي يؤم آلاف المصلين يوميا منذ سنوات عدة في المسجد الفخم “الحسن الثاني” المحاذي لمياه شاطئ المحيط الأطلسي.
وزادت شهرة القزابري، ذي الستة والثلاثين عاما، أكثر عند المغاربة بفضل النقل المباشر لصلاة التراويح التي يؤمها الشيخ الشاب من طرف القناة السادسة، حيث أضحى الكثيرون يقبلون على الإنصات إلى قراءته، خاصة ممن لا يمكنهم شد الرحال إلى مسجد الحسن الثاني بالبيضاء لحضور التراويح خلف القزابري.
وبجانب القزابري، يُقبل آلاف المصلين على المساجد التي يؤم فيها قراء آخرون برزوا في السنوات الأخيرة بفضل إتقانهم الجيد لقراءة القرآن وأصواتهم الندية الجميلة، ومنهم القارئ ذو الصوت الشجي “لعيون الكوشي”، والقارئ ذو الصوت الرخيم محمد الإيراوي في مسجد الألفة، والقارئ ذو الصوت المتقن عبد العزيز الكرعاني، وغيرهم كثير.
ولم يعد، بالتالي، القزابري هو النجم الوحيد في تراويح رمضان بالمغرب خاصة في الدار البيضاء، حيث بات يقاسمه النجومية والشهرة قراء شباب في مثل إتقانه وصوته القوي، استطاعوا أن يعيدوا للمساجد مصلين كانوا قد هجروا بيوت الله، إذ تجذبهم الأصوات التي تزيدهم خشوعا في الصلاة، وتقربهم من الله تعالى في ليالي رمضان الروحانية.
أما في مدينة مراكش مثلا، فقد استطاع القارئ الشاب الدكتور عبد الرحيم النابلسي أن يجذب إليه الأنظار والمصلين من أبناء المدينة وحتى من خارجها، بفضل إتقانه الكبير لتلاوة وقواعد القرآن الكريم، زيادة على صوته السلس الذي يساعد على الخشوع لدى المصلين في تراويح رمضان..
وفي الرباط وضواحيها، برز قراء متقنون متميزون من قبيل القارئ الشاب حسن مسيمك الذي سبق أن عمل إماما في مساجد قطر والإمارات، وأيضا القارئ أحمد الخالدي الذي بهر المغاربة بصوته الشجي المتميز.
“نجم” القزابري
وصار لبعض هؤلاء القراء الشباب أتباع ومحبون يسعون إلى تتبع أخبارهم وخطواتهم، والإنصات إلى قراءاتهم في المساجد المختلفة، فضلا عن اقتناء أشرطتهم التي تتضمن تلاواتهم المتميزة، أو سماعها عبر مواقع الإنترنت المتخصصة في بث كتاب الله.
ومن هؤلاء الذين تميزوا بشكل لافت، وأضحت لهم حظوة بالغة لدى قطاع عريض من المغاربة، يوجد القارئ عمر القزابري الذي يؤم يوميا حوالي 60 إلى 80 ألف مصل في مسجد الحسن الثاني في صلاة التراويح، في حين يصلي خلفه ربع مليون مصل تقريبا خلال ليلة السابع والعشرين التي يعتبرها العديد من المغاربة ليلة القدر المباركة.
وبالرغم من هذه النجومية الهائلة التي التصقت بالقزابري منذ سنوات خاصة بحلول شهر رمضان المبارك، لكنه لا يراها نجومية بقدر ما هي مسؤولية جسيمة ملقاة على عاتقه، وينبغي أن يضطلع بها على أحسن وجه.
وفي هذا الصدد يعتبر عمر القزابري أن النجومية قد تقترن بمجال آخر مثل الفن أو الرياضة، لكنها لا تليق بمجال قراءة القرآن الكريم وخدمة كتاب الله عز وجل، الذي يستوجب التواضع وحسن الأخلاق والابتعاد عن مواطن الرياء التي قد تتسبب فيها النجومية.
ويضيف القزابري: إذا شعر القارئ بأنه معروف عند الناس أو أن اسمه يُذكر بينهم بكثرة، فإنما ذلك من فضل الله تعالى عليه، مشيرا إلى أن الشهرة أو الانتشار الكبير قد يكونان ابتلاء من الله لهذا القارئ واختبارا له كيف يتصرف إزاء هذه الشهرة ومحبة الناس، علاوة على أنها مسؤولية عظيمة يجب على الإمام أو قارئ القرآن أن يكون في مستواها.
ويرى القزابري اجتماع الناس ومجيئهم من شتى الأمكنة للصلاة خلفه، أو خلف غيره من القراء، هو دليل على حبهم الفطري لكتاب الله وسماع كلامه مرتلا أحسن ترتيل، موضحا أن حاجته للمصلين وراءه هي أكثر من حاجتهم للاستماع إلى تلاوته.
مسارات الحياة
وتختلف مسارات القراء الشباب الذين أضحوا نجوم المنابر في تراويح رمضان بالمغرب، من حيث التعليم والشهادات وأماكن حفظ القرآن وغير ذلك، لكنهم يتفقون جميعا حول الاجتماع على مائدة القرآن الكريم، وتبليغ كلام الله تعالى غضا طريا إلى أسماع وقلوب المصلين.
القزابري، مثلا، أنهى حفظ كتاب الله وهو طفل لا يتجاوز عمره الأحد عشر عاما بمساعدة من والده الذي كان أحد العلماء المعروفين في مدينة مراكش جنوب البلاد، والذي كان له كبير الأثر الإيجابي على نفسية القزابري وبصم شخصيته وهو فتى، في اتجاه محبة الدين وحفظ القرآن الكريم والاتصاف بالتواضع واللين.
وبعد أن درس بعض علوم الدين في السعودية وأمَّ في مساجدها، والتقى هناك بكبار المشايخ من قبيل الشيخ محمود إسماعيل والشيخ الفاه الموريتاني، عاد إلى المغرب ليعمل خطيبا في مسجد باب ريان في الدار البيضاء، حيث بدأت أولى خطوات شهرته في درب تلاوة القرآن، ثم تم تعيينه ليكون إماما في مسجد الحسن الثاني إلى حدود اليوم.
أما الشيخ الدكتور عبد الرحيم النابلسي نجم التراويح في مراكش فقد حفظ القرآن في سن التاسعة فقط، بتوجيه من والده الذي أنبته نباتا حسنا، فدرس في مدارس المدينة، ليسافر بعدها إلى كلية القرآن بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حيث التقى بأحد أبرز أعلام القرآن، وهو الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات، الذي تعلم على يديه فطاحل القراء في العالم العربي، ومنهم الراحل الشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ عبد الفتاح المصرفي، والشيخ أحمد سيبويه، والشيخ أيمن سويد وغيرهم كثير.
وبالنسبة للقارئ المتميز لعيون الكوشي فقد برزت نجوميته -إن صح التعبير- بقراءاته التي كانت تُبث في القنوات التلفزية المغربية خاصة في شهر رمضان، خلال برنامج المسيرة القرآنية الذي يشمل قراءة حزبين كل يوم، فذاع صيت هذا القارئ ذي الصوت النقي البعيد عن التصنع والتكلف، وبات الآلاف يصلون خلفه كل ليلة في أحد مساجد البيضاء.
أما القارئ عبد العزيز الكرعاني فقد طلق طلاقا بائنا موهبة الغناء الذي كان يزاوله، وهو طالب جامعي، في سهرات كان يحييها في بعض الفنادق والحفلات، واتجه إلى إكمال حفظ القرآن الذي كان قد بدأه صغيرا، إلى أن استطاع تبوء مكان الإمام في تراويح شهر رمضان، حيث يتجمع خلفه الآلاف من المصلين الذين يأتون مسرعين لسماع صوته الدافئ والقوي، والذي يؤكد البعض أنه صوت أقرب إلى صوت القزابري إن لم يكن أفضل منه.
حسن الأشرف – الرباط
أقراء أيضا :
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات
الوسومالتراويح القرآن المغرب رمضان عبد الرحيم النابلسي عمر القزابري مراكش