قلت لصديقي : تعال بنا نتجادل.
قال مندهشا :ماذا ؟؟ نتجادل !!!! لا لا .. لا أحب الجدال فالجدال يقسّي القلب.
قلت : لا أعلم من أين أتيت بهذا الكلام “الجدال يقسّي القلب ” ؟؟ لست متأكدا ان كان الجدال يقسي القلب، ولكنني متأكد أنه يفتح العقل .
سألته : أليس الاسلام دين الحق وحجة الله البينة الواضحة التي لا لبس فيها ولا غموض؟؟
قال: نعم.
قلت : فلِمَ أمر الله نبيه بالدعوة عن طريق الجدال ” وجادلهم بالتي هي أحسن ” ؟؟!!!
عقبتُ قائلا : لأن الله يريد من الناس أن تتفتح عقولهم للحق وأن يأخذوا هذا الدين بفهم وقناعة ولم يرد الله من نبيه أن يتحدث هو فقط بينما يستمع الاخرون كأنهم حجارة.
لا بد أن تعمل وتعي العقول قبل القلوب ، فاستخدام القران لفظ ” جادلهم” يرسم في مخيلتي مشهد الأخذ والعطاء .. القول والرد .. وان أردنا ان نكون في طليعة الأمم كما اراد لنا الله أن نكون، لا بد أن نأتي بالأفكار العظيمة التي تجعلنا كذلك.
تلك الأفكار لن تأتي إلا اذا اجتمعت خيرة العقول معا، تفكر وتتناقش وتتحاور و ” تتجادل” فيما بينها فتُستفز العقول لاخراج افضل مافيها، ولا بأس ان تتعالى الأصوات وتتعب الحناجر وتنتفخ الأوداج أثناء الحوار مادام الهدف هو الوصول للفكرة ، فالعقل الذي لا يعاني ولا يعمل ولا يجتهد لن يأتي بفكرة عظيمة.
عندما يغيب الجدال (الحوار) في أمة ما أو في شعب ما أو في جماعة ما يظهر الاستفراد بالرأي ويتحكم الغلو وتطل الحماقة برأسها ومن ثم تولد القرارات الكارثية ويحل ليل المصائب ، فأمثال ” هتلر” و ” موسوليني ” قتلا الحوار والجدال في شعبيهما قبل أن يقتلا الشعب نفسه في مغامرات ومعارك حمقاء ، أما اليوم فلا توجد دولة متقدمة ومتحضرة إلا وتجد فيها برلمان أو مجلس عموم أو مجلس شيوخ يمارس فيها النقاش بأعلى صوته والجدال بأجمل صوره والنتيجة تكون قرارات بأجمل مافيها ومن ثم تشاهد دولة بأجمل ما عليها.
أن أردنا أن نسير في ركب الأمم المتقدمة علينا نتعلم الجدال أو النقاش أو الحوار سمه ماشئت ، وأن نجعله سمة وثقافة فينا وأن نربي أجيالنا عليه ونجعله في مناهجنا وأن نمارسه ابتداء من الأسرة ومن ثم المدرسة والجامعة مرورا بالعمل وانتهاء بالحكومة والدولة، يجب أن يمارسه الناس في مختلف أوجه حياتهم في مجالسهم ومقاهيهم وفي مؤتمراتهم وندواتهم وأن يستمعوه في اذاعاتهم ويشاهدوه على شاشاتهم حتى نضمن أن نعيش في أمة حية حيوية تعرف الصواب من الخطأ وتشارك في رسم طريقها تؤيد الصواب وتعترض على الخطأ ولا تكون كقطعان البهائم تسير خلف راعيها ولا تعرف أين تسير
ماقولك ياصديقي .. أتجادلني ؟؟
المهندس أبوبكر الحضرمي
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات
الوسومأراء أفكار الجدال الحوار قضايا