المعاناة لفظ فضفاض لا يتسع لمفهوم الفقر أو العوز وحده.. كما أن السجن ليس احتجازا مكانيا فكم من شخص أصبح أسير أفكاره وهو حر طليق وكثير من الناس ذاقوا مرارة المعاناة من نفاق الآخرين وسعيهم لاجتلاب المصلحة، وشعور الانفلات من أسر تلك القيود يحتاج إلى إرادة صلبة وقرار واضح للمضي نحو علاقة إنسانية أساسها الصدق والإخلاص وندية التعامل بعيدا عن مفهوم الاستفادة والمنفعة.
بهذا الطرح تنطلق رواية “أميرات ولكن” للروائي الشاب نور الحراكي الصادرة عن دار الساقي اللبنانية ،والرواية التي تتحسس طريقها إلى النور الأيام القادمة تلقي الضوء على مشكلات اجتماعية قد يغفلها البعض وتدور في إطار ساخر دونما التطرق إلى أشكال وأبعاد سياسية أخرى.
ووفق مؤلفها تتعرض إلى محطات سيكولوجية هامة داخل مشهد نسوي بامتياز من وجهة نظر كاتب يرى في المرأة نصف المجتمع فهي الأم والأخت والزوجة ورفيقة الدرب وصاحبة دور كبير شاء المجتمع الذكوري أم رفض!!.
محطات في تاريخ صفوة وكريمة المجتمعات رصدتها الرواية لأميرات قد يراهن البعض أنهن خاليات من أدنى مشكلات بيد أن معاناتهن من نوع آخر تتمثل في وجدان يتمزق من أجل الآخرين .. من أجل من حرموا رغد العيش، كذلك يجاهدن ألا يقعن في براثن من يزعمون صداقة زائفة.
ففي أحداث الرواية تقول الكاتبة: ” أن أبقى وحيدة في هذا العالم خير لي من أبقى مع شخص لا يشعر بي هكذا”، نوع آخر من الحكي عن عالم النساء يطرحه الكاتب من خلال كشفه لحياة بعض المشاهير الذين يصنع لهم العامة صورة بعيدة عن واقعهم بينما هم بشر لهم أخطائهم لكنهم في بؤرة الشهرة والأضواء المسلطة عليهم تجعل من الأمر العادي حدثا جللا وربما فضيحة، لذا اتفق الكاتب على أن الرواية لم تتطرق إلى الفضح أو الكشف بقدر إزاحة الستار عن حقائق ملموسة.
يقول الكاتب: تتعرض الرواية إلى الكثير من القضايا الاجتماعية التي استمدت مضمونها ومادتها الأولية من خلال عدة رحلات قمت بها في جنيف وتركيا ومكة المكرمة والمدينة وإسطنبول وغيرها من الدول العربية الأخرى. وهي مليئة بالأسرار والغموض والتجارب التي تُنشر لأول مرة، مشيرا إلى أن ثمة تشابها بينه وبين بطلة الرواية فهي شخصية عنيدة تكسر كل القيود المفروضة عليها من مجتمع لايرى في المرأة سوى كائن ضعيف مستكين لا مكان له سوى المنزل حيث الأعمال التقليدية فلا ابتكار ولا إبداع ولا امتياز عنوانه المرأة، في حين سعى كاتب الرواية إلى الانطلاق بعيدا عن قيود العائلة التي قد تفرض على أبنائها نهج حياتي وعملي لمجرد الالتزام بما يسمى بعراقة الأصل والنسب وما يتصل بها من أعمال محددة ومهن لاتصل إليها محطة الكتابة في يوم ما .
ويشير نور الحراكي في تصريحات لـ “عشرينات” قائلا: أنا هو ذاك الشخص الذي ارتحل منذ قرابة العشر سنوات وكان عمري وقتها لم يتجاوز 16 عاما من الانطلاق إلى عالم الكتابة الذي ارتآه الأهل نوعا من المجازفة أو دربا من الجنون لكن الإصرار على المبدأ جعلني أتخطى حاجز المكان وأسافر إلى بلدان كثيرة لأحقق طموحي في رحلة فادتني أيما إفادة في إثراء تجربتي الكتابية كما استقيت منها أفكارا وعايشت أشخاصا ظهرت ملامحها في الرواية، والتجربة في مجملها لم تكن سهلة لأن الخروج من شرنقة القيود الاجتماعية التقليدية وإن لم تمس الأخلاق أمر يحتاج إلى إرادة قوية.
وعن الأسلوب الذي انتهجه في كتابة الرواية يضيف: الانخراط في عالم الكتابة في الحقيقة سر من أسرار حياتي والرواية والقصة تنتميان إلى شجرة السرد الكبرى وأؤمن بمقولة أعطني كتابا وأطلقني إلى المريخ، وأنا عاشق للكتابة عن التفاصيل الدقيقة للشخصيات وأتوق إلى الولوج إلى سيكولوجياتهم دونما نقد لطبقة بعينها فحين تحدثت عن الأميرة بطلة الرواية تخيلتها أمام مرآتها ترتدي فستان ديكولتيه من الشيفون الأسود، سبرت أغوار داخلها (وهو ما يهم الكاتب لاستخرج مكنونات قد تفوت على الأشخاص العاديين) فهي بركان من الأفكار والأحاسيس انتهى بها المآل إلى سرير داخل إحدى المستشفيات تتنازعها حوارات جوانية كثيرة ما بين الضعف والقوة وبين الأمل والرجاء إلى أن تقرر ألا تصل بأية حال إلى الانهيار ، وهاتف بداخلها يخبرها أنها يوما ما ستصل إلى مبتغاها وتصبح كائنا حرا وإن جاهد الآخرون إلى اعتبارها الحلقة الأضعف في سلسلة الكيان المجتمعي.
ويستطرد صاحب “أميرات ولكن”: الرواية تطرح علامات استفهام كثيرة لأن القارئ يحتاج لبعض من الغموض ليس للفت النظر ولا التعمد بل أصبح يعتاد ذلك. وهي تصلح لأن تتحول إلى فيلم سينمائي حيث الأسلوب المعتمد على التصوير والحركة والتفصيلات الرفيعة داخل الأحداث ، وأملي أن تصل الرواية لكافة القراء وفي الخليج العربي بصفة خاصة. كما أحلم بأن تصل أعمالي إلى مصاف روايات البوكر العربية ونوبل .
وعن جديده يقول الحراكي: بالرغم أني في الأساس منتجًا ومعدًا للبرامج إلا أنني اعتزلت الإنتاج و سأتفرغ للكتابة الفترة القادمة واعدا حاليا لرواية تحت عنوان “الواهمون”وتدخل في إطار مجتمعي فلسفي .
الكاتب في سطور
نور الحراكي إعلامي و كاتب روائي له العديد من الأعمال الإعلامية والروائية, معد برامج إذاعية، حاصل على العديد من الشهادات في مجال التنمية البشرية وعلم الإدارة والقائد المحترف، و بصدد الحصول على شهادة ماجستير في الدراسات الإسلامية والعربية، و يتقن اللغة العربية, الفرنسية , الإنجليزية, الكوردية, والتركية.
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات
الوسومأميرات ولكن اسطنبول المدينة المرأة النساء تركيا جنيف رواية كتاب مكة