ما هو ” savoir vivre” ؟ مصطلح فرنسي يعني العادات والأعراف السلوكية المتبعة في المجتمعات المهذبة أو المجتمعات الحضارية، وهو مادة تعليمية مفروضة على طلاب المدارس الحكومية في لبنان. أذكر تماماً أننا كنا نستخف بهذه المادة مقارنة بالرياضيات والعلوم، وكنا ننتظر حصة ” savoir vivre ” على أنها حصة ترفيهية، ربما لأن التهذيب كان مادة مكثفة – وأحياناً موجعة- في البيت، قبل أن تكون مادة مفروضة علينا في المدرسة.
لماذا اخترت اليوم هذا الموضوع لطرحه عليكم؟ الجواب ببساطة أنني لم أعد أعرف كيف أتصرف مع من لا يتمتعون بحد أدنى من معايير السلوك المهذب.
وحقيقةً لا أفهم سبب عدم رغبة البعض في الارتقاء بنفسياتهم أولاً وبمجتمعاتهم ثانياً؟ فهل يكون السبب مثلا عدم فرض مواد التربية المدنية كمادة تعليمية إلزامية في المدارس الحكومية؟ أم أننا مقصرون كمسلمين في تعليم أبنائنا أن التهذيب والإتيكيت والرقي بالسلوكيات اليومية هو من التعاليم المفروضة في الإسلام، وأننا للأسف نكتفي فقط بتحفيظ الآيات القرآنية لأبنائنا دون تلقينهم مكارم الأخلاق.
أيها الأحبة، إن المجتمعات الراقية لم تفرض التهذيب بقوة القانون، وإنما من خلال سيرورة اجتماعية أساسها مناهج تعليمية مُلزمة، يُعززها وجود مدرسين قادرين على تعليم الأجيال العادات السلوكية الراقية قبل تعليمهم جدول الضرب، وأن لا يتم اختيار المعلمين وفق حسابات تجارية أو تبادل لمصالح سياسية.
لم تكن مادة “”savoir vivre مادة ترفيهية كما كنا نظن..وإنما تعلمنا فيها أن لا نتوقف بمنتصف الطريق ونتسبب بحوادث قاتلة للغير لأن «الكعب العالي» يمنعنا من السير خطوتين نحو الاتجاه المطلوب..وتعلمنا خلالها بأن لا نُعيق عجوزا أو طفلا أو ذوي احتياجات خاصة في الأماكن العامة لأننا فقط نريد أن نشعر بالأسبقية، كما أننا تعلمنا بأن لا نبصق في الشوارع العامة، وأن لا نستغل أماكن عملنا للثرثرة، وأن لا نتهافت على موائد الطعام الرسمية وكروشنا تسبق ظلنا، تعلمنا أن لا نُقايض شرفنا بالمادة، وتعلمنا أيضاً كمسلمين ومسيحيين أن الدين أخلاق، وتعامل، وتواضع، ومصداقية، وشرف، وأمانة وظيفية.
إن ” savoir vivre ” لا يعني أن نعيش على المجاملات والإتيكيت وأن نتخلى عن العفوية في سلوكياتنا..وإنما أن نجعل من التهذيب تصرفا عفويا.
«إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم..وقوله سُنة لا بد من الأخذ بها عند توظيف القوى العاملة في المجتمعات الراقية، ومن منا لا يحب الاقتداء بالسنة النبوية قلباً وليس قالباً فقط..فتربية العقول أولى من تربية اللحى.
«وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» (صدق الله العظيم).
اقراء ايضا
العرب القطرية
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات