تحدثنا في الحلقة الأولى عن معادلة ( سؤال..علوم ..مساهمة) وهي معادلة تبدو جميلة، لكن ماذا لو لم يتفاعل معها الناس؟ فنحن نرى الكثيرين لا يلقون بالا بهذا الكلام، ولا يعرفون ما هي مساهماتهم؟ ومع ذلك تبدو الأمور بألف خير !
كلامك صحيح، بل إن المخترعين والمميزين هم قلة في أي مجتمع .. ماذا يعني ذلك ؟
يعني أن كل مجتمع من المجتمعات الناهضة تقوم به قلة قليلة من الناس، قد لا تتجاوز نستبها 2 % من عدد السكان!
أين بقية المجتمع إذا؟ وماذا يفعل ؟ بل كيف يستطيع 2 % فقط أن يكونوا هم الأساس رغم أنهم قلة ؟
نعم هذا هو أحد أسرار النهضة التي عليك إدراكها جيدا، فنحن انطلقنا من قاعدة مهمة يصّدقها الواقع ، وهي أن العاملين في نهضة أي مجتمع هم قلة قليلة، هؤلاء الأبطال هم من يحملون على عاتقهم أن يستنهضوا المجتمع، ويبثوا فيه حب العلم والعلوم، وروح السؤال والتساؤل، وروح المساهمة.
هؤلاء أشبه بالقاطرة الأولى في أي قطار يسير. فالقاطرة الأولى هي المسئولة عن سير بقية القطار ، وهي التي تنطلق به في السكة الحديدة بخطى ثابته وسرعة عالية بعد أن تحدد الهدف والاتجاه، هذه القاطرة أو القلة القليلة في المجتمع تنطلق لتقود المجتمع وتضعه على طريق النهضة، لينطلق خلفها ويدعمها، ويدخل بعدها في طور المساهمة، وتصبح القلة كثرة، هو دور بطولي يحتاج لأبطال حقيقيين ..فهل أنت منهم؟
أنا منهم. لقد تحمست كثيرا بهذه الكلمات ، وتبدو الفكرة سهلة الفهم ، بقي أن ننطلق للتطبيق …يوم..يومين ..أسبوع !
هل ما زلت متحمس.. أم فقدت حماسك ؟ لا تقلق هي طبيعة البشر لكن لا تستسلم لها، فالحماس وحده لا يكفي لتحقيق معادلة النهضة، غذي حماسك بالرشد والوعي ليبقى شعلة لا تنطفئ.
قلنا حماس ..وقلنا رشد .. الأولى هي شعورك بالرغبة في العمل ، وفي بذل الجهد ، وفي مساعدة الناس ،هي شعور كبير تريد أن تعمل به لتشعر بالرضا والراحة والإنجاز، ولتشعر وهو الأهم أنك أحد المساهمين في نهضة الأمة .
أنت كذلك فعلا .. كل هذا الحماس وأكثر هو مطلب مهم ،ولكنه يحتاج للرشد. والرشد يعني أن تصب هذا الحماس في المكان الصحيح ، أن تفكر أولا ، أن تجرب ثانيا ، أن تقيّم نفسك ثالثا ، أن تطور من نفسك رابعا ، هذه مع معادلة الحماس مع الرشد.
أما معادلة الحماس وحدها، فهي لا تكفي لأصحاب النفس الطويل والعقل الذكي، فهي معادلة كثيرا ما جربناها ونراها في أنفسنا وغيرنا ،ولسان حالها يقول:
تحمس واعمل شيء ، ثم يصيبك ملل ، ثم تحمس لشيء آخر ثم يصيبك ملل ..وهكذا حتى لا تعرف أين تسير ؟ وإلى أين تسير؟ وكل خطأ نمر به لا نعتبر منه ولا نتفكر به، وكل ما نقنع به أنفسنا أننا قليلو عمل.
انتبه إذا، فالمعادلة ليست حماس فقط ، بل حماس + رشد ، وهذا يعني: تفكير، وخطة، وتجريب، وتقييم لما تقوم به بشكل مستمر ومتجدد.
حماس + رشد ..ماذا أيضا؟
إرادة ..كثيرا ما نسمع أننا نحتاج إرادة حتى ننجح في حياتنا، وهو شيء يحتاج لصبر ومداومة على تذكير أنفسنا أن لنا دور لا يمكن أن ننسحب منه بسهولة، الإرادة مسؤولية ..أمام نفسك ، وأمام مجتمعك ، وأمام أمتك ..هي روح تشعر فيها بإمكانية تغلبك على الصعاب ، مثل آخرين استطاعوا تجاوزها.
لا تتوقع أن تحقيق أهدافك ونهضة أمتك شيء سهل ، وبدون عواقب كثيرة بل العكس، توقع الكثير من العقبات، وتعامل معها بروح التحدي، وأتوقع أن تشعر بتعب وملل وكل هذا شيء طبيعي، فلتكن نفسيتك مستعدة لمثل هذه الأمور حتى تستطيع تكملة المشوار.
إنك تمل وترجع تجدد نشاطك من جديد …هي طبيعة الإنسان ، لكن تعامل معهما بروح ذكية في تجاوز التحديات والعقبات ، بروح مغامرة تحب تجريب طرق ووسائل جديدة.
روحك ونفسيتك في العمل هي الأهم، وهي اللي تغذي إرادتك في الحياة، اقرأ تجارب غيرك في تحدي وتجاوز الصعاب، اقرأ وشاهد كيف يفكر الإنسان في تجاوز العقبات.كل هذا يعني رصيد روحي وعقلي لتكون إرادتك قوية لتصل لما تريده في حياتك.
الان اكتملت المعادلة الثانية : حماس + رشد + إرادة = تحقيق هدفك في الحياة.
أحمد درويش
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات