ياسين محمود يصارع “الزمكان” في قصة “مكعبات”

ياسين محمود يصارع “الزمكان” في قصة “مكعبات”

ما الذي يجعل الحياة ثقيلة ويحولنا من باحثين عن السعادة إلى أجساد يفت الزمن عضد أرواحها؟ ولماذا نسقط من حساباتنا الفلسفة الأبيقورية التي تدعونا إلى الاستمتاع بكل شيء حتى لا نصاب بالضجر؟

الأكيد أن أسباب الانهزام كثيرة وتفاصيلها تكمن في حنايا الأشياء وحنايا أنفسنا، وهو ما يصفه القاص المصري الشاب “ياسين محمود” في قصته “مكعبات”، ببراعة شديدة وحسن تمثل منقطع النظير.

يصور لنا محمود في “مكعبات” كيفية الانسحاق من خلال العلاقة بين النفس البشرية والمكان والزمن المتجلي في تفاصيل المكان، مجسدا أدوات الزمن الظاهرة كعقارب الساعة وأوراق التقويم في شكل جنود للوقت الذي يراه القاص العدو الأول للإنسان، ومعتمدا على المجازات اللغوية والمفردات المشعة الشاعرية في إدخال المتلقي إلى حالة التمثل التي يعيشها هو في أثناء كتابة القصة.

ولكن القاص الشاب لم ينه قصته إلا بالانتباه إلى أن ثمة مهربا من هذه الحالة الانسحاقية فحرك بطل القصة أخيرا إلى الشباك ليرى ضوء الشمس بما له من دلالات على التفاؤل والاستبشار.

وفي تصريح إلى “عشرينات” قال القاص المصري ياسين محمود إنه يستعد للعمل على مشروع مجموعة قصصية عما قريب، كاشفا أن محورها الأساسي هو صراع الإنسان والمكان فقط.

وأضاف أنه يحاول إكساب قصصه لغة تختلف عن لغة القص العادية حيث لغة تجعل مشاعر القارئ تتحد مع الأحداث، طامحا في الوصول إلى تكنيكات مختلفة في الكتابة على مستوى الشكل تترقى بالمضمون، متمنيا أن يتسع دور الكتابة ليصل إلى خلق روح جديدة على المستوى الشكل الذي يناسب المضمون  لكي يخلق الأدب جديدة بين الإنسان وما حوله.

قصة “مكعبات”

جدفت رموشه بقوارب عينيه, بعدما كانت راسية بغفوته. شعر أن الاستيقاظ حوت التقمه, ولن يلفظه إلا ليتركه للنوم في المساء. استسلم لهذا الشعور, ونهض من فراشه متبرمًا. زلزله صوت الساعة معلنًا انفلات الوقت, فراقب عقاربها وهي تدس السم في شرايين الزمن, وبغير دراية منه, أو ربما بدافع من الرغبة تحرك في اتجاه العقارب؛ ليجد أمامه طاولة عليها الطعام الذي تناوله بالأمس على مضض؛ فتخطاها غيرَ مبالٍ, وما إن أدرك الحائط، وجد صورته مومياء لذكرى ترقد في تابوتٍ متخذةً من التخاذل انحناءً.

هوت نظراته معها, فالتقطها النتيجة ألقاها بنظرة أشعلت التنهيدة داخل صدره, وهاجس الوفاء بالدين داخل عقله, فالأيام دين يسدده جزاءَ ما ألحقه بنفسه.

بالرغم من اعتياد أصابعه على تحرير صكوك دينه من أوراق النتيجة, إلا أن هذه الورقة كانت مستعصية عليه؛ فقد كانت الورقة الأخيرة. انتهى من أمرها مجهزًا على حزنه الذي زحف خارجه تاركًا أطلالا من دموع.

في هذه اللحظة أدرك أنه أجاد لغة الطريق إلى المكعب الأخير, فوضعه هادمًا فراغين, فراغًا تراكم داخل نفسه, وفراغًا منع اكتمال شكل المكعبات.

هُرعَ إلى النافذة فاتحًا ذراعيها لاحتضان الشمس التي ما لبثت أن انتزعت الظل من جسد المكعبات, لتشير به ناحية الخروج.

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات