الاقتراب من عالم الأموات .. ” المرحوم ” رواية الكشف عن صراع الأحياء

الاقتراب من عالم الأموات .. ” المرحوم ” رواية الكشف عن صراع الأحياء

بعد ثلاث مجموعات قصصية وأربع جوائز يعيد الروائي حسن كمال كرة التميز والبحث عن شخصيات فريدة ليتناولها مجددا من خلال كتابه الجديد “المرحوم”، وربما لهذا العنوان نصيب من مهنة كاتبه فقد تخرج في كلية الطب عام 1999 وحصل على الماجستير والدكتوراة في مجال الروماتيزم، الأمر الأهم أن الكاتب الشاب اختار أن يخوض غمار الواقع الحالي من خلال رؤية يكمن بين ثناياها معنى فلسفي للربط بين الحياة والموت.

وتدور الرواية التي صدرت منذ عدة أيام ماضية عن دار الشروق للنشر حول طالب في كلية الطب يهوى الكتابة، ويبحث دائما عن شخصيات فريدة لتناولها في كتاباته، إلى أن يجد نفسه وجها لوجه أمام (المرحوم)، عامل المشرحة المسؤول عن حفظ الجثث وإعدادها للتشريح، يقترب منه ليكتشف أنه شخصية مركبة لأقصى حد، حيث يرى أن وجوده في المشرحة هو رسالة كلف بها ليتم لهؤلاء الموتى أعمالا كان ينبغي عليهم أن يتموها حتى ترتاح أجسادهم في الأرض .. ويخبره أنه يملك القدرة على أن يلبس أجساد الموتى ويتحرك بها لينتهي مما لم يستطيعوا أن ينتهوا منه وهم أحياء.

وما بين تعاطف الطبيب الشاب مع عامل المشرحة الذي يبدو له مختلا وفضوله ليستكمل قصته الجديدة يتماشى معه. فيجد نفسه طرفا في أحداث تجره إلى عالم أكثر قسوة وغموضا من عالم الأموات .. هو صراع الأحياء ..صراعات الدين والسلطة والفساد والسياسة والفقر والمرض ، ومع الوقت يجد أن كل ما يحدث يؤكد له أن هذا العامل ليس مجنونا بل هو مرتبط فعليا بهؤلاء الموتى الذين تركوا حياتهم خلفهم لينغمس فيها هو والمرحوم ويكاد يكون خروجهما منها مستحيلا.

أما عن الرواية فقال فيها كمال “كيف يصبح عالم الأموات هو العالم الذي يعيشه ويتحرك فيه شخص ما؟ وما الأفكار التي تسيطر عليه عندما تكون كل الجثث هي كل ما يحيط به طول الوقت؟ وهل الاقتراب إلى الموت سيؤدي به إلى الحكمة أم إلى الرؤية أم إلى الجنون؟ وما الحقائق التي سيكشفها عن الحياة التي نعيشها عندما ينظر إليها من وجهة نظره خاصة جدا وجهة نظر المرحوم؟

ومن أجواء الرواية يقول:

فتشوا عن الموتى فيمن حولكم؛ هؤلاء الذين لا يتكلمون حينما يأتي وقت الكلام ..

ولا يبحثون بعيونهم المفتوحة عن النور عندما يسود الظلام ..

ولا يتحركون مهما توالت على وجوههم الصفعات.

لا تحاولوا أن تهبوهم الحياة فهم لن يقبلوا هباتكم, اتركوهم هناك .. لا تدفنوهم في الأرض فتراب الأرض خُلق للحياة لا للموت, لا يستحق تراب الأرض سوى من عاش فوقها حيًّا”.

وعن الرواية يقول مؤلف الرواية  لـ”عشرينات“: رواية “المرحوم” تنتمي للواقعية بالتحديد لمدرسة من الأدب اسمها الواقعية السحرية يختلط فيها الواقع بأحداث غرائبية تجعل القارئ يحتار إذا ما كانت الأحداث واقعية أم خيالية .. وأحداثها بصفة عامة تعبر عن الواقع السياسي والاجتماعي في مصر حاليا .. وهذا النوع من الكتابة يندرج تحت النسق الفكري التشويقي الذي يصلح بامتياز لتجسيد مشهد سينمائي مستمر حتى كلمة النهاية وهو غير منتشر بين الكتاب  حاليا.

أما الروائي العالمي علاء الأسواني فقد قال عن الرواية : لا يزال الكاتب الموهوب حسن كمال يواصل مشواره الأدبي بعد مجموعاته القصصية الجيدة، يخرج علينا بروايته الجديدة “المرحوم” والتي استفاد فيها من تجربته كطبيب واختار للرواية فكرة جديدة ومدهشة تستحق القراءة وتشكل خطوة واسعة في طريق حسن كمال إلى مصاف الكتاب الكبار.

وحسن كمال يعمل طبيبا في المركز القومي للبحوث حيث تخرج في كلية الطب عام 1999 ، وصدر له من قبل ثلاث مجموعات قصصية وهي “كشري مصر” و”لدغات عقارب الساعة”، و”وكان فرعونا طيبا”، كما حصل كمال على جائزة ساقية الصاوي ثلاث مرات متتالية، وحصل على جائزة ساويرس في الأدب عن مجموعته القصصية الأولى “كشري مصر”.

استخدم كمال برومو مبتكرا  للرواية عن طريق فيديو يظهره في منطقة المقابر يعيد فيه الأذهان إلى رواية “الجزار” لحسن الجندي حيث ينتهي بعبارة تلخص مضمون الرواية ” لا أحد يطلق عليه المرحوم .. أنا المرحوم الوحيد في هذا المكان”

الجدير بالذكر أن رواية المرحوم قد أطاحت بعدد من الروايات الأكثر مبيعا خلال الأربعة أشهر الماضية مثل رواية  نادي السيارات للدكتور علاء الأسواني، وتراب الماس ،والفيل الأزرق ، وعزازيل  ،وظل الأفعى ، واللاهوت العربي للدكتور يوسف زيدان .

ومن يرغب في التعرف عن كثب على  مؤلف “المرحوم” يتنصت على كلماته حين كتب رائعته “كشري مصر” فقال:سنوات طويلة وكلماتي تتصارع مع انشغالي, كلاهما يحاول أن يسيطر على عقلي ويستعبده لخدمته طوال الوقت. أنهيت دراستي، استقر عملي فهدأ السعي والانشغال وانتصرت الكلمات وعدت أكتب مرة أخرى بعد سنوات من التوقف. والواقع أن طقوسي في الكتابة اختلفت تماما عن طفولتي وباكر صباي.

في الماضي كنت أدخل إلى غرفتي، أغمض عينيّ، أستمع إلى موسيقى هادئة لأحلق بقلبي وعقلي في عالم الخيال. تغيرت كما تغير كل شيء من حولي. فعندما أشرع في الكتابة أمشي في الشوارع، أفتح عيني جيدا لأرى البشر جيدا. أسمع كلامهم وضحكهم وبكاءهم، لأستقي حكاياتي من هموم واقع أراه أصبح يفوق الخيال.

وها أنا أسوقها إليك لترى شخوصا وأحداثا عاشت في رأسي أياما طويلة إلى أن تخلصت منها في أوراقي. وما أكتبه هو من أجل القراءة، لا من أجل الكتابة. لست جشعا، قارئ واحد يرضى عن إنتاجي ويحرر كلماتي من أسر الأدراج يكفيني. أثناء كتابتي…. يتراءى أمام ناظري أبي الذي شارف على الثمانين, وولدي الذي لم يتجاوز عامه الثاني, وأجيال أنا منها تتهم بالجهل والضحالة. فأحاول أن أخاطب الجميع وفي قلبي صورة وطن أحبه وأحلم له بازدهار يستحقه, فأنا أراه مظلوما بمن يعيشون فيه… وممن يعيشون فيه.

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات