“حكاية سعيد المصري” تكشف عن أزمة الهوية بين الثقافة الشرقية والأوروبية

“حكاية سعيد المصري” تكشف عن أزمة الهوية بين الثقافة الشرقية والأوروبية

الهوية هي جوهر الشيء وحقيقته وهوية الإنسان كالبصمة بالنسبة له يتميز بها عن غيره وتتجدد فاعليتها وتفصح عن ذاتها دون أن تخلي مكانها ومكانتها لغيرها من البصمات، وأن تعرض الإنسان إلى ما يهدد تلك الهوية أو يجعلها تتوارى أحيانا بفعل ازدواج الجنسية أو البعد المكاني عن الوطن فإنها في لحظة فارقة تعود مجددا لتفرض نفسها عليه كقدر لامهرب منه وأن دفع حياته ثمنا للدفاع عنها. وحكاية سعيد المصري رواية  للكاتب الشاب شريف لطفي تعد نموذجا حيا لصراع الإنسان من أجل الوصول إلى تلك الهوية وهي الرواية الأولى للكاتب الذي يعبر عن نفسه عبر شخصية البطل سعيد المصري الممزق بين روحين غربية وشرقية ويحتار إلى أيهما ينتمي حتى يجد ذاته بعد معاناة طويلة وقاسية ورحلة من الضياع على خلفية أحداث الثورة المصرية.

يبني هيكل الرواية التي صدرت عن الدار المصرية اللبنانية وتقع في 260 صفحة على سعيد المصري الذي يمر بأزمات حادة في حياته اليومية وتتبلور المأساة الكبرى في أزمة الهوية تجعله منفصلا عن واقعه المجتمعي الذي يعيش فيه و تتطور الأحداث لتصل بسعيد إلى أعماق مظلمة تقوده إلى التساؤل عن هويته ويصل إلى حد يتساءل فيه عن الأسباب التي من أجلها يعذب  إلى هذه الدرجة ويستسلم سعيد لنداء داخلي يقوده إلى الأحداث، يدخل سعيد إلى ميدان التحرير ليفاجأ بحشد كبير من الناس مختلفين ولكنهم يقفون في صف واحد في وجه قضية واحدة أعظم من أي خلاف .

يذوب سعيد في هذا الحشد ويملأه إحساس بالانتماء إلي شيء يجمع بينه وبين وطنه يتفاعل مع الأحداث وينخرط في الهتافات والمسيرات التي من خلالها يجد صوته الحر لأول مرة في حياته فيتذوق طعم الحرية ويتخلص من القيود المكبلة له ويحلق في سماء الوطن في حالة عشق وتحرر، يتجاوز سعيد أزمته ويذوب في نسيج الوطن لينتهي به الأمر مقتولا برصاص القناص في جبهته يستشهد سعيد منتشيا باكتشاف هويته ومعايشته لها ولو لدقائق. يموت سعيد وهو يرفع إلى السماء التي تملأها أصوات نواقيس الكنائس وآذان المساجد مرحبة به في عالم جديد لا تسوده أية فوارق بين أبناء الوطن الواحد.

اعتمد الكاتب في تقنياته الروائية على ثنائية السرد العادي المستقيم والحوار المسرحي المباشر ففصل  للسرد والفصل الذي يليه حوار مباشر بين سعيد المصري وصديقه وأراد من هذه الطريقة أن يظهر الحوار الثنائي طريقة تفكير بطل العمل  وإعطاء مزيد من التشويق للعمل قبل أن يكتشف القارئ أن الشخص الآخر الذي يواجه سعيد المصري هو شخصية خيالية وأن الحوار كله كان يدور داخل ذهن البطل ليعبر عن مكنونات نفسه وأيضا لكسر حالة الملل من طريقة السرد التقليدي عبر راو عليم بكل الأمور.

وفي تصريحات خاصة لـ “عشرينات” يتحدث شريف لطفي عن شخصية سعيد المصري التي رسمها في روايته وسمي العمل باسمها قائلا: ولد سعيد لأب مصري الجنسية وأم أجنبية من عائلتين ميسورتي الحال وكانت نشأته أوروبية إلى حد كبير فعلى الرغم من تمضية عمره كله في مصر فإنه شديد التأثر بالثقافة الأوروبية بحكم علاقاته الوطيدة بوالدته وكان مع قربه لوالته يزداد بعدا عن أبناء بلده يوما بعد يوم ويعاني اغترابا شديدا في المجتمع المصري ينفصل عن أقرانه وليس لديه أصدقاء ولا يعجبه حال البلد التي يعيش فيها ويقارن وضعه فيها وبين حياته كمواطن أوروبي ذهنا ووجدانا ثم تأتي أحداث الثورة المصرية لتضعه في قلب الحدث ويعثر علي ذاته.

وحول التقارب بينه وبين تلك الشخصية ينفي لطفي أية صله بين الاثنين مشيرا إلى أنها شخصية خيالية وليس لها ظلال في الواقع ولا حتى من شخصيتي الحقيقية وكون والدتي أستاذة للأدب الإنجليزي في جامعة عين شمس وعشت معها أجواء الروايات والسينما الأوربية وكانت بيئتي ثقافية بامتياز إنما فكرة الشخصية والعمل برمته جاءتني بعد ثورة  يناير وأردت أن أعبر من خلالها عن رؤيتي وأفكاري لما جرى في مصر وقد بدأت كتابتها في مايو 2011 بعد الثورة بأربعة أشهر وكانت الثورة عاملا محفزا وشحنتني جدا وحفزتني على الكتابة برغم أني لم أمارس كتابة الأدب من قبل  لكن رصدي لمشاعر الإحباط التي انتابت المصريين بعد مرور أشهر قليلة على ما جرى دفعتني للبحث عن أمل في قلب الصعوبات التي يمر بها المجتمع المصري  وهو ما تجسد في شخصية سعيد المصري الذي يشبه الثورة إلى حد كبير فالثورة انقسمت بعد نجاحها إلى رؤيتين إحداهما تمثل الماضي والأخرى تنظر إلى المستقبل كذلك تمزق سعيد المصري بين جنسية أبيه المصرية وجنسية أمه الأوروبية بما عزز إحساسه بالغربة داخل وطنه جاءت الثورة كنقطة بداية للعثور على ذاته قبل أن يستشهد فيها.

والرواية التي رشحت لجائزة الشيخ زايد في الكتاب فرع الشباب لقيت صدى نقديا وجماهيريا حيث  تصدر خلال أيام طبعتها الثانية بعد اقل من أربعة أشهر من صدورها الأول وهو ما دفع الروائي الكبير جمال الغيطاني إلى وصف الرواية بأنها كتابة جديدة ورواية تحفل بمشاهد جريئة جدا وتعبير مختلف حيث اللغة تجمع بين الشعر والنثر  وهي ذات رؤية شاعرية للواقع للمفردات، كذلك جديدة في موضوعها وبنائها ويمكن القول إنها أدب جديد.

 أما الروائي أشرف العشماوي صاحب الرواية الشهيرة “تويا” قال عنها: استمتعت جدا بقراءة رواية حكاية سعيد المصري وسعدت أكثر باكتشافي أن شريف لطفي مبدع حقيقي صاحب لغة راقية و متمكن من أدواته الإبداعية ومسيطر تماما على الخط الصوفي طوال الأحداث بصورة فائقة ويلعب عليه بمهارة يحسد عليها لتكتشف ببساطة الصوفية أن الزهق والملل يأتي من النفس لا ممن حولك وهو ما عبر عن شريف لطفي فى الثلث الأول من الرواية بأسلوبه السهل الممتنع ، إن قيمة هذا العمل الأدبي البديعة تظهر واضحة فى قدرة المؤلف على اختراق العقل القارئ بعمق حتى ليحسب القارئ في لحظة أن الكاتب سيعيد ترتيبه ولكنه يفاجئك بتجميع أفكارك القديمة وهواجسك ويكومها على بعضها البعض في جانب ، ليضع أمامك مجموعة جديدة مختلفة ومتنوعة من الأفكار والمعاني لتحلق معها في عالم خيالي بعيد رغم أنه شديد الالتصاق بك فستفز عقلك وتجبره على إعادة التفكير ثم يتركك ويمضي بهدوء لتختار أنت وتجيب على السؤال الصعب ما الذي تريده لنفسك في هذه الحياة ؟! .

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات