عوامل اجتماعية وثقافية تفرض عزلة على إعلاميات الخليج

عوامل اجتماعية وثقافية تفرض عزلة على إعلاميات الخليج

على الرغم من النمو الإعلامي  النسبي الذي تشهده منطقة الخليج العربي، والطفرة المعلوماتية التي أضفت متنفساً لحرية التعبير في تلك المنطقة وغيرها، إلا أن مكوناً رئيسياً من مكونات المجتمعات الخليجية ظل بعيداً عن الإسهام المباشر في ذلك النمو بحسب مراقبين للحالة الإعلامية في الخليج.

وإن كانت دول الخليج تحتل مراكز “متأخرة” في حرية التعبير وذلك بحسب تقارير المنظمات المعنية بهذا الشأن، إلا أن وضع المرأة الخليجية وعلاقتها بالمجال الإعلامي يظل “متراجعاً” بشكل أكبر بالمقارنة مع معظم الدول العربية.

عوامل ثقافية واجتماعية عدة تداخلت لتشكل حواجز أمام الإعلامية الخليجية، قيدت بذلك إسهاماتها، وقلصت من مشاركتها الإعلامية، بل إنه لا يكاد توجد أي رئيسة تحرير سواء لصحيفة أو مجلة أو مديرة لقناة تلفزيونية كانت أو إذاعية.

وحول واقع الإعلام النسائي في الخليج، اتفقت الناشطة السعودية في شؤون المرأة خلود الفهد، ومراسلة ( 24France ) في البحرين نزيهة سعيد، والمستشارة الإعلامية القطرية أمل عبدالملك، على أن الإعلاميات الخليجيات ضحية السطوة الذكورية في مجتمعاتهن، في الوقت الذي لم يخفين فيه تفاؤلهن بخصوص مستقبل الحالة الإعلامية النسوية في الخليج.

سطوة ذكورية

وفي بداية حديثها، أكدت المدونة والناشطة السعودية الفهد أن الحالة الإعلامية النسوية في الخليج العربي شهدت تطوراً لافتاً خلال الخمس سنوات الماضية،إضافة إلى ارتفاع نسبة الوعي النسوي خاصة فيما يعنى بشؤون المرأة وحقوقها.

وتابعت الفهد حديثها بأنه وبعد أن ظلت المرأة في الخليج عموما، والسعودية بشكل خاص، تطالب بحقها في أمور كالسفر بدون محرم وقيادة السيارة، ارتفع سقف طموحها لأن تطلب حقاً في المشاركة السياسية وصنع القرار.

وقالت “لم يعد اللسان النسوي في المجتمع السعودي يتحدث في حقوق المرأة فقط، بل تعداه لطرح فكرة التمثيل الوزاري والبلدي واختراق مجلس الشورى”.

وعن السبب في رأيها وراء هذا التقدم الملحوظ لمستويات الوعي بالشأن النسوي السعودي، أوضحت الفهد أن “مجتمعات الخليج عامة، والسعودية خاصة عانت من التعتيم الإعلامي لفترة طويلة من خلال سيطرة وسائل الإعلام الحكومية على الساحة الإعلامية،ولكن بدخول الانترنت في نهاية العقد الأخير من الألفية الماضية، تعددت مصادر المعلومة مما ساهم في فهم أفضل للواقع الذي كنا نعيشه”.

وأضافت “كنا في السعودية مثلاً نظن بعدم وجود أي تيارات سياسية بخلاف التيار الإسلامي، أما الآن فنحن نعيش مرحلة تعدد رأي، بل علاوة على ذلك، فإن الانترنت ساهم في كسر الهالة القدسية المحيطة برجال الدين، وأصبح كل ماينتجه رجال الدين والتيارات الدينية خاضعاً للمساءلة والنقد،وإن كانت هناك محاولات تدمير لقواعد البيانات الخاصة بتلك الموقع والمنتديات الالكترونية من قبل التيار الراديكالي المتطرف في السعودية”.

وأكدت الفهد أن لمواقع التواصل الاجتماعي دور رئيسي في نشر الوعي الخاص بحريات المرأة قائلةً: شخصياً قمت بتسليط الضوء من خلال موقع التواصل الاجتماعي تويتر على أكثر من حالة إنسانية تجسدت فيها معاناة المرأة السعودية باعتبارها ضحيةً للفكر الذكوري المنتهك لحقوقها.

وعبرت الفهد عن رضاها بموقع المرأة السعودية في الإعلام خلال الفترة الراهنة، مؤكدة على تفاؤلها بالمستقبل. إلا أنها في الوقت نفسه وصفت تقدم حالة الإعلام النسوي بالسعودية بالـ “بطيء”.

عللت هذا البطء لحاجة النسيج الفكري والاجتماعي السعودي لوقت حتى يستوعب مثل هذه المطالب.

واختتمت الفهد حديثها بالإشادة ببعض المبادرات الحقوقية في السعودية كافتتاح جمعيات معنية بالعنف ضد المرأة، إضافة إلى سن عدد من القوانين التي تحفظ للمرأة قيمتها كقانون التحرش وقانون تجريم المعنف، والتي جاءت ثمرة سماع المسؤولين للأصوات النسائية المطالبة بذلك، وهو الشيءالذي افتقدته التيارات النسائية بالسعودية خلال الفترة الماضية.

مرحلة انتقالية

من جانبها، أوضحت مراسلة (France24 ) في البحرين نزيهة سعيد أن المرأة البحرينية تمكنت خلال الفترة الماضية من شغل جل المواقع الإعلامية الصحفية والتلفزيونية والإذاعية. إلا أنها عزت عدم أخذ الإعلامية البحرينية لمكانتها المناسبة على الساحة الخليجية إلى أن “البحرين لا يشكل نسبة كبيرة من الخليج العربي”.

وأضافت أن هذا الوضع الخاص بالإعلامية الخليجية مشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي وإن اختلف نسبياً من دولة إلى أخرى، معربة عن اعتقادها بأن المنطقة تشهد الآن مرحلة انتقالية جيدة فيما يخص نيل المرأة لحقوقها في مختلف المجالات لا سيما الإعلام.

وبينت سعيد أن السبب الرئيس في تحفيز هذا الانتقال يرجع إلى التقدم التكنلوجي الذي شهدته المنطقة، والذي عزز من دور الصحفي المواطن بالخليج العربي، فأصبحت فرصة طرح المعلومات ومشاركتها مع الغير متاحة للجميع.

وتابعت سعيد أن “ثورات الربيع العربي كان لها بلا شك دور بارز في المساهمة في هذا الانتقال، بحيث طالت موجات المطالبة بالإصلاحات دول الخليج خاصة فيما يخص برفع سقف الديموقراطية والحريات والمشاركة السياسية”.

وختمت سعيد حديثها بالقول”رغم أن بعض دول الخليج مازالت تعاني فيها المرأة الخليجية من سيطرة العقلية الذكورية المتشددة، إلا أنه يجب عليها السعي لنيل حقوقها وعدم انتظار من يهب تلك الحقوق لها”، مؤكدة في الوقتذاته على ضرورة “مثابرة الإعلاميةالخليجية في المجال الإعلامي بالرغم مما يتهم به هذا المجال من أنه محكوم بالشللية والمحسوبية”.

 تمرد حميد

وفي السياق ذاته، تحدثت المستشارة الإعلامية القطرية أمل عبدالملك عن واقع الإعلام النسوي في منطقة الخليج العربي بشكل عام وفي قطر بشكل خاص.

وقالت إن الإعلامية الخليجية،بغض النظر عن دولتها، كانت وما زالت تعاني من السيطرة الذكورية واتنقاص المجتمع لقدراتها.

وتابعت “إذا ما استعرضنا رؤساء تحرير الصحف والمجلات ومدراء البرامج في مختلف المؤسساتالتلفزية والإذاعية الخليجية، لا نجد إمرأة واحدة بينهم”، مضيفة أن “هذه الحالة أشد تطرفاً في قطر لطبيعة وتركيبة المجتمع القطري”.

وعن ما إذا كانت العادات والتقاليد هي السبب الرئيسي لهذا العزلة النسوية عن الإعلام، قالت عبدالملك إن “هذا الكلام لم يعد صحيحاً”. واستطردت “النساء في الخليج العربي تمردن تمرداً حميداً على كثير من العادات والتقاليد، فلا يصح وضع العادات والتقاليد شماعة لهذا الإحجام”.

وعزت عبدالملك إشكالية عدم تواجد القدر الكافي من النساء الخليجيات في وسائل الإعلام إلى الحواجز النفسية والثقافية المترسخة في ذهن الفتاة الخليجية، والتي ليست بالضرورة واقعية.

وأوضحت أن كثيراً من النساء، وفي قطر خاصة، “يكتبن في الصحف بأسماء مستعارة خوفاً من ردة فعل عوائلهن”، في الوقت الذي لم يبذلن فيه أي مجهود لجس نبض تلك العوائل حيال إنخراط بناتهن بالإعلام، “فكما يوجد عائلات رافضة لهذا المبدأ، هناك الكثير من العوائل لا تمانع ذلك”.

وعن مدى تفاؤلها بمستقبل الإعلام النسوي في قطر والخليج، قالت عبد الملك “هناك الكثير من المؤشرات التي تنبئ بمستقبل مشرق منها زيادة الإقبال على دراسة تخصصات الإعلام من الإناث تحديداً. ومنها كذلك أننا في قطر بدأنا ملاحظة بعض الأسماء النسوية الصاعة في فضاء الإعلام وإن كانت على إستحياء، لا سيما في مجال الإخراج الوثائقي، إضافة إلى عمل بعض الفتيات القطريات بمهنة الصحافة عبر بعض الملاحق الصحفية”.

وفي ختام حديثها أشارت عبدالملك إلى أهمية مواصلة الإعلاميات الخليجيات للإنتاجية التي لا تأتي إلا بالعمل الدؤوب والجهد المضني، مؤكدة كذلك على ضرورة سعيهن لتسويق أنفسهن.في الوقت الذي انتقدت فيه ثقافة  “الخجل” التي يعاني منها المجتمع القطري، وبالتالي عدم إقدامه على اقتناص الفرص والتعريف عن نفسه من خلال إنتاجه وتواجده على الساحة الإعلامية.

ويشكل احتضان الخليج لعديد المؤسسات الإعلامية العربية والدولية بالنسبة للإعلاميات الخليجيات، أملا للحصول على فرص ودعم ومساحة للتعبير تقارب ما تحظى به تلك المؤسسات الإعلامية، حاملات لشعار أن لا ممثل لقضاياهن خير من أقلامهن الصحفية وإنتاجهن الإعلامي.

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات