محمد ندا يجسد الترقب في قصيدة “علامات”

محمد ندا يجسد الترقب في قصيدة “علامات”

عندما يمتلك العاقل ذو النظر الثاقب كل أسباب الفرح، لا يستسلم لها ويرزح تحت وطأة الهيستيريا فلا يكترث لاحتمال انتهاء هذه الأسباب أو زيف بعضها، ومن هنا تنكتب قصيدة “علامات” للشاعر المصري الشاب محمد عبد الوهاب ندا، بين الخوف والرجاء، بين الثقة والقلق، بين الترقب والاستشراف لمرحلة ما بعد الثورة الشعبية المصرية في 25 يناير 2011.

استطاع ندا بحساسية شعرية مرهفة وحس سياسي وطني عاقل أن يحدد “علامات” اللحظة الوطنية التي يقف فيها كشاعر وكمواطن مصري بكل ما تحمله من دلالات نفسية ومادية، ليعبر بصور مادية وشعورية في غاية الروعة والدقة عن موقفه الذي سيتخذه تجاه هذه اللحظة التي يرى فيها الهيستيريا تلتهم ألباب الجميع من حوله.

ولم يكتف الشاعر الشاب بتصدير حالة الترقب التي يتبناها كحالة صحية فقط في صوره الشعرية كما في قوله: “يَحِدُّني: / حَرفٌ تعلَّقَ / بين أقدارِ الوصولِ / ولمْ يَصِل”، ولكنه أراد أن يشهد الشكل الخارجي للقصيدة الحالة نفسها، فعمد إلى تقسيم القصيدة إلى خمسة مقاطع في إشارة جلية إلى أنه لا أحد يستطيع أن يحصل في مثل هذه اللحظات على صورة متكاملة للمسألة بمقدماتها ومعالجاتها وما سينتج عنها، كما عمد ندا إلى اختتام أغلب المقاطع بكلمة مفقودة كما في “كلُّ المَسَارَاتِ / التي مرَّتْ عليَّ / تبوحُ إلا أنني …”، وعلاوة على ذلك يختتم القصيدة بسؤال استفهامي يلخص همه الشخصي والفني والوطني “هل أهتدي؟”.

وفي تصريح خاص إلى “عشرينات” قال الشاعر محمد عبدالوهاب ندا إنه في ضوء تفاعله مع الأحداث الراهنة انتهى من كتابة عدد من القصائد الهامة يعكف حاليا على تنسيقها لتكون جزءا من ديوانه الثاني “الحج إلى ميدان التحرير” المنتظر صدوره خلال هذا العام 2013، وأوضح أنه يحاول في هذا الديوان تقديم عمل أدبي ينبض بالثورة تمتزج روحه بوقائعها وأحداثها فتطغى مرارة المعاناة لانكساراتها تارة، وتطفو حلاوة البهجة لانتصاراتها تارة أخرى.

وأضاف الشاعر الشاب أنه بين هذا وذاك يسعى جاهدا لامتلاك تفاصيل المشهد -رغم ضبابيته- باحثا عن نقطة النور التي تقودني لاستشراف القادم، وهو ما ينطبق على قصيدة “علامات” التي تحمل عنوان ديوانه الأول الصادر نهاية العام الماضي، مبينا أنه يهتدي بالشعر في ظلمات الواقع، فيرى الأحداث من زاوية خاصة تمكنه من استشراف المستقبل في قصائده.

علامـــات

(1)

لي بين أَوْرِدَتِي

ضريحٌ لم يَزَلْ

أَهفُـو

إلى وجعٍ

تمرَّغَ في اللقاءِ

يَحِدُّني:

حَرفٌ تعلَّقَ

بين أقدارِ الوصولِ

ولمْ يَصِل

كأسٌ أَضَلَّ الكونَ فيَّ

ولمْ يَضِلّْ

عِقْــدٌ تَفَلَّتَ حَبُّهُ

كلُّ المَسَارَاتِ

التي مرَّتْ عليَّ

تبوحُ إلا أنني…

(2)

الزَّادُ يَنفَدُ

والتَّصَاويرُ التي أبْدَعْتُهَا

لم تطردْ الأشباحْ

وقَصَائدٌ

كُتبتْ بِلَوْنِ الفقدِ تشهدُ

كُلَّما اهترأَ الزّمانُ

أعُوذُ بالعهدِ افتداءً

بينما…

أرْهَقـْتِنِي!

(3)

وَحيٌ تمزّقَ

في انتظارِ إجابةٍ

تَخْلو من الأضدادِ

تُعلنُ وِجْهَةً

(4)

نهرٌ يَجفْ

وعلى ضِفافُ الجدبِ

شوقٌ يرتميْ

ومراكبٌ قد ودَّعَتْها

دفقةُ السَرَيَانِ

في مجرى دَميْ

ورَأيتُ أَشرعةَ المَسِيرِ

تَغيبُ في…

(5)

وتَسَاقَطَت

سُحْبُ الدُّخَانِ

تُحرِّرُ

الأُفْقَ المُّعَذَّبَ في المدى

أرجاءُ كَوْنٍ

لا تَقلُّ رحابةً عن مُقْلَتَيْكِ

تَلُوحُ لي

هل أهتدي؟

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات