حاسة الشِّعر !

حاسة الشِّعر !

حقيقة الشعر أو كُنه الخطاب الشعري حركة تجديدية تهدف إلى تبديد السائد ، وتوليد صور غير اعتيادية ، إنها عملية مخاتلة بصرية وصوت يهمس في أذن الروح عزفاً وجدانياً ينشد التحليق في أجواء مغايرة .

التلبس بالحالة الشَّعرية محاولة للتوشح بحياة استثنائية ، الشعر فعل غرائبي يندرج في سياق الانعتاق من الجمود والتكرار والمراوحة على أرضية ” الماجريات ” واليوميات الاعتيادية الخالية من الدهشة .

الشعر الحقيقي المتجلي إبداعاً في القصيدة ” الاستثناء ” بمثابة لافتة ثقافية تتموج في آفاق من الإدهاش و إذكاء الروح بنور الصفاء والتجرد .

الشعر الحقيقي شعور إبداعي يتغيّا التمثل ببراءة النفس و طُهر الفِطرة ، و ينازع غواية الحواس للعودة إلى نقاء الطفولة .

القصيدة الحُلم إنما هي خلجات روح شفّافة حدّ الصفاء تصعد إلى آفاق تجّلي أشواق الإنسان إلى ذاته التي فطرت على الخير في حين  تمارس طرائقُ العيش النكد على تأطيره في قوالب صلبة وخانقة تجفف ندى الطين ! فيأتي الشعر العذب ليحاول بسط جناحي الجمال والجلال ليتفيأ هذا الإنسانُ وارفَ ظلالِ الحُسن .

في ظلال دفء الشعر الجميل ، دفء الفانوس المضيء وسط سُجُف الظلام تشرق كينونة المرء وتتبدّى سحنات روحه متمثلة في الكلمة الموقف ، التعبير البليغ عن ألمه وأمله .

الشعر مخاض وجدان، وصيرورة فكر ، إنه حالة تستحوذ على المبدع فيشعّ ألقاً ، ويفيض على ما حوله نوراً وناراً !

إنه وهجٌ جذوته روح الإنسان هبّت عليها نسائم السّحر فاتّقد الإبداع ، والقصيدة محاولة تخلص وانعتاق يمارسها الشاعر ليتخفف من عبء الحواس ، أو هي محاولة تحاول فيها النفس رؤية واستكناه مشاعر  قصرت  الحواس الخمس عن التّماسّ معها !

أو لنقل إنها محاولة الانتهاء من حُلُم أرق ولادة القصيدة ! و الجري وراء فراشات المعنى ! و محاولة إبصار طيف الدلالة ! الشعر اختيال المفردات !

الشعر حالة انتباه ، وتيقّظ الحواس لقراءة كتاب الكون ، والتماهي مع سِحر الطبيعة و مساجلة غناء الطير ، الشعر أن تحكي خَدَر الأجساد الغافية ببواكير أشعة شمس شتاء ، وانتشاء الأرواح المنهكة بنسيم سحر ليلة صيف ! الشعر أن تحاكي وقع المطر ، أن تحتبي بألوان الطيف ، أن ترقص روحك طرباً في جنات الدنيا !

الشعر هو النظر إلى آفاق اللحظة من زوايا كاشفة ، الشعر إعادة قراءة ، وأما القصيدة الحُلُم ، التي يحلم كل شاعر مطبوع على اقتناصها فهي غناء وجداني ، لحنه مراوغ  عصيّ  عصيّ لا يكاد يتأتى إلا لأفراد عباقرة ، قصيدةٌ تتعالى على كثافة الراهن ، وتمتد تمتد في مدارات الآتي ..

إبراهيم يوسف القرعاني

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات