إن دعوتك إلى عشاء وطلبت منك أن تختار مطعماً، فإنك غالباً ستختار المطعم الذي اعتدت عليه وألفته وأحببت قائمته من المأكولات والمشروبات، فإن وافقتك تكون سعيداً، وسيكون العكس تقريباً فيما لو قلت إننا سنذهب إلى مطعم آسيوي مثلاً، على افتراض أنك لم تتذوق من قبل أطعمة آسيوية كالصينية، أو التايلاندية، أو الكورية، على سبيل المثال لا الحصر..
لماذا تسعد إن وافقت على رأيك ويكون شعورك العكس فيما لو خالفتك وجاء الاختيار على عكس ما ترغب وتتمنى، حتى لو لم تكن أنت المضيف؟ سؤال حاول أن تتفكر فيه قليلاً قبل أن تكمل القراءة ..
قد تجاملني وتوافق، ولكن من داخلك تتمنى لو يحدث أي أمر ولا تذهب معي إلى ما أفكر فيه. وربما تبدأ في اختلاق العذر تلو الآخر لتأجيل الموضوع، فربما أنسى أو أنشغل وتضيع فكرة الدعوة.. أنت وافقتني في الاختيار الأول الذي هو لك وعارضتني بشكل غير مباشر أو خفي في المرة الثانية لسبب واحد لا غير، هو اعتيادنا على المألوف والخوف من المجهول.
أي أحد منا تجده تلقائياً حينما يكون أمام خيارات في أي موضوع، تجده يختار المألوف أو الذي اعتاد عليه، بل تجده لا يطول به التفكير كثيراً لاختيار العكس أو ما نسميه بالمجهول. لماذا؟
جواب السؤال هو أن المألوف يشعرك بالأمان فيما المجهول يفقدك ذاك الأمان أو كما تعتقد وتشعر. كما تقول لك العامة : خليك على مجنونك لا يجيك اللي أجنّ منه !! ولكن هذا المألوف أو هذا المجنون إن صح التعبير إن وفرلك الأمان فهو ينزع عنك متعة التجريب والاستمتاع بالمجهول، الذي يكون في الغالب مثيراً وفرصة كبيرة لتحصيل المزيد من الخبرات الحياتية التي لا تأتي من خلال الاعتياد على الروتين أو المألوف من الأعمال والمهام الحياتية اليومية.
حينما يأتي أحدهم ويقول لك إنني أعمل في عمل ما وخبرتي تتجاوز الثلاثين عاماً، فإنما يعني وهو لا يدري، أن خبرته تساوي عاماً واحداً ولكنها مكررة تسعا وعشرين مرة! فما معنى أن يظل المرء يؤدي عملاً معيناً لثلاثين عاماً.. ما هذا العمل الذي يتطلب كل هذه السنوات؟
إن أي عمل جديد يمكنك الإلمام به في عام كامل، ثم بقية الأعوام إنما لصقل ما تتعلم لتصل إلى درجة العمل الروتيني، أو القيام بالعمل وأنت مغمض العينين، كما تقول العامة، وفي ذلك كثير من الخسائر والفرص التي تفوت..
عبدالله العـمادي
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات
الوسومالتجارب الجديدة الخبرة الروتين العمل الفرص المألوف المجهول