أسرار الشباب مع من ؟

أسرار الشباب مع من ؟

تكثر الأسرار في مرحلة المراهقة، وتزداد خطورتها عندما ترتبط بمشاكل يتعرض لها الشباب المنتشون بمغادرة مرحلة الطفولة، والمتعجلون للاستقلال التام عن الأهل..

 فمن الذين يرى الشباب أنهم أولى الناس بحفظ أسرارهم؟ وهل للأهل نصيب في ذلك؟ ثم ما هي المعايير التي يبحث عنها الشاب فيمن يأتمنه على سره؟

التحقيق التالي يحاول أن يجيب على تلك الأسئلة، قبل أن يعرض إجاباتها على المختصين في محاولة لتفسيرها..

من يستحق الثقة؟

في البداية سألنا محمد محمود، طالب في كلية الآداب جامعة القاهرة، فقال: أنا لا أبوح بأسراري لأحد، مهما بلغت أهميتها، ومهما بلغت درجة الود بيني وبين المحيطين بي، فالسر إذا خرج من صاحبه ستكون النتيجة أن الجميع سيعرفونه، ولي في ذلك تجارب عدة .

أما أحمد عبد الحليم، مرشد سياحي، فيؤكد أنه يحكي أسراره لأصدقائه ويستشيرهم في مشاكله.. وأضاف أنه لا يخبر أهله بأسراره؛ لأن رد فعلهم دائمًا يكون إما بالسخرية منه واتهامه بالتفاهة، أو باتخاذ ما يقوله وسيلة للومه وانتقاده، وأحيانا التشهير به بين الأقارب.

من جانبها، تشير نهى أحمد، طالبة في كلية التجارة جامعة القاهرة، إلى أن جميع أسرارها مع أمها؛ لأنها سيدة متفتحة للغاية، وتستطيع أن تقول لها أي شيء يحدث لها دون أية تحفظات أو مخاوف .

أما هبة السيد، طالبة بالثانوية العامة، فتقول: أكرمني ربي بصديقة لا يمكن تعويضها، فهي تسمعني جيدا وتسدي لي النصائح وتتحملني حتى في أشد لحظات عصبيتي .

محمد حسين، طالب في السنة الرابعة بكلية الحاسبات جامعة عين شمس، يؤكد أن البوح بالسر يختلف بحسب موضوع السر نفسه، ويقول: لا طبعا هناك من الأسرار التي لا أستطيع أن أبوح بها لأي فتاة، ولو كانت أختي، كما أنه يوجد اختلافات كثيرة وكبيرة تجعل من الصعب علينا أن نفشي أسرارنا للجنس الآخر، حيث إنني لا أفهم طبيعة البنات كما أن البنات لا يفهمننا بطريقة صحيحة .

توزيع  الأسرار!

بينما ترى هالة يسري، موظفة في إحدى البنوك، أنها تقوم بداية بعملية تقييم للشخصية التي تتعامل معها لمعرفة مدى إمكانية تفهمها للمشكلة أو حفظ سرها، ثم تقسم أسرارها بعد ذلك على صديقاتها، كل بحسب شخصيتها.. فعندما يكون عندها مشكلة مع أهلها وتريد أن تتكلم مع شخص ما  تذهب لصديقة معينة تكون الأقدر على مصارحتها بتفاصيل الموضوع الذي يشغلها .

أما أحمد فاروق، طالب بالفرقة الرابعة في كلية الهندسة، فيعتبر أن البوح بأسراره قد يؤدي إلى الوقوع في مشاكل هو في غنى عنها، بالإضافة إلى احتمال قيام – الصديق المفترض – بإفشائها أو استغلالها وابتزازه بها.. ويتابع: لماذا أعطي لأحد السوط الذي يضربني به .

وفي ذلك، توضح داليا فتحي، طالبة في معهد نظم كمبيوتر، أنه قبل أن نقوم بإفشاء أسرارنا الخاصة يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا هاما، مفاده: هل هذا الشخص إذا كان لديه سر يخصه فسوف يقوم بائتماني عليه أم لا؟ .. فإذا كانت الإجابة بنعم فيمكن إخباره بسري .

يمكننا أيضًا أن نطرح السؤال في صيغة أخرى.. هل يخبرني ذلك الشخص بأسرار قام آخرون بائتمانه عليها أم لا.. فإن كانت الإجابة بنعم فيستحيل أن أخبره بسري .

من جانبه، يقول محمد إسماعيل، مهندس مدني: إنه يتخذ الجنس الآخر كمخزن للأسرار، فالبنات -على حد وصف محمد- منصتات بدرجة جيد جدا، وهذا مهم إذ إنه غالبًا ما يكون كل ما تحتاجه هو مجرد الفضفضة، وهذا في حد ذاته يسبب لك الراحة النفسية .

المواقف تحدد  الأصدقاء

كيف يختار الشاب من يحفظ أسراره، وكيف يثق فيه؟ أيضًا كيف يتصرف عندما لا يجد من يأتمنه؟
الدكتورة حنان سالم، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، تؤكد على أهمية الصديق في حياة الشاب، وتقول: مع إيماننا الشديد بأهمية دور الأسرة، فإننا يجب أن نهتم بدور الصديق الذي يمضي معه الشاب أوقاتا أكثر من تلك التي يقضيها في المنزل، لذلك لا بد من أن نسعى إلى إقامة علاقة صداقة جدية تكون مفيدة للطرفين .

وتضيف أن: مرحلة المراهقة تكون طاردة للأبناء من المنزل بنسبة 80%.. فالشاب يكون أكثر ميلا لمصادقة شاب مثله، حيث يتقاسم معه نفس الهموم والاحتياجات، خاصة في ظل عدم إصغاء أسرة الشاب له .

وهناك أحاديث لا يمكن للشاب أن يتحدث بها إلا أمام أصدقائه فقط، وفي هذه المرحلة يكون تأثيرهم عليه أكبر من الأب والأم، لذلك لا بد من الحذر وتربية الشاب على كيفية اختيار صديقه بطريقة صحيحة بناءً على المواقف، وأن يعلم أن الذي يفرط في السر الصغير فإنه سوف يفرط لا محالة في السر الكبير .

وحول الشباب الذين لا يجدون من يتقاسمون معه أسرارهم، سواء من الأهل أو من الأصدقاء تقول د.حنان سالم: هذا ما نسميه نحن في علم الاجتماع بالتصدع السيكولوجي، أي إن الأم والأب موجودان، ولكن بأجسامهما فقط، وفي هذه الحالة قد يأخذ الشاب منحنيين:

الأول: الاكتفاء بصوت الضمير، فيكتفي باتخاذ مثل أعلى له، سواء أكان داخل الأسرة كخال أو عم أم خارجها كزعيم أو كاتب محترم .

والثاني: أن يتخذ أول منحنى يصادفه بدون تعقل أو وعي، ما يوقعه في الكثير من المشكلات.. لذلك أنصح الشباب أن ينتقي الأصدقاء، فلا بد أنه من خلال التعامل مع الأصدقاء الذين يصاحبهم سيجد صاحبا يمكن الاعتماد عليه، وإن لم يجد فأنا أتذكر دائما مقولة أحبها جدا وهي: (صدر الإنسان أوسع من مخزن الغلال).

وتابعت: نحن قادرون وبصورة كبيرة جدا على أن نحتفظ بأسرارنا لأنفسنا ولا نخبر بها أحدًا، فإذا لم نستطع واحتجنا لمشورة، فعلينا أن نسأل بشكل غير مباشر، كأن أدعي أن صديقًا لي عنده مشكلة، وأقوم بطرحها.. وسوف تتوالي الردود بدون أن أفشي سري لأحد.

دور الأهل والمختصين

سألنا الدكتورة إجلال حلمي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، هل للأهل دور في ابتعاد الشباب عن الثقة بهم والبوح بالأسرار لهم، أم أن طبيعة المراهقة والشباب تقتضي ذلك؟

وأجابت دكتورة إجلال: في البداية أحب أن أؤكد أن الشباب أكثر اعترافًا للأهل من البنات، فالأهل غالبا ما يتعاملون مع الذكر على أساس أنه (لا يوجد شيء يعيبه).. أما البنت فالويل لها من أي اعتراف تعترف به يمكن أن يؤخذ على سمعتها أو تصرفاتها المحافظة، خاصة أن كانت هي التي أوقعت نفسها في المشاكل .

وتؤكد الدكتورة إجلال أن دور الأهل بالغ الخطورة منذ البداية، حيث يتسم بالحيوية في تكوين شخصية الأبناء.. فالأهل يقومون بدور الموجه والناصح، وهذا صحيح إذا تمت ممارسته بأسلوب ذكي وجيد، وخطأ إذا تم بدون إعطاء أسباب عقلية يقتنع بها الشاب، وتحديدًا في سن المراهقة.. تلك السن الذي يقدم فيها الشاب دائما على تجربة كل ما هو جديد وغريب على فترة حياته السابقة، ولو خرج عن التقاليد.. فيقوم بأولى تجاربه العاطفية، ويقوم مثلا بشرب السجائر .

وتستطرد: ويكون الشاب على دراية تامة أن الأهل يعارضون مثل هذه التصرفات معارضة تامة، بما يدفعه إلى تكوين صداقات خارج نطاق الأهل تكون معاونة ومشجعة له على تلك التصرفات .

وفي نفس السياق تقترح الدكتورة إنشاد محمد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية تفعيل دور الإخصائي الاجتماعي في المؤسسات التربوية والتعليمية، حيث يجد الشاب من يستمع له عندما تكون بداخله أسرار أو مشكلات ولا يجد من يناقشها معه.

وتشير إلى خدمة التليفونات النفسية باهظة التكاليف، والتي لا تعطي النتيجة المرجوة منها لعدم وجود القلب والنية الصادقة في المساعدة.. لذلك لا بد من تنشيط دور الأهل أيضًا في هذا المجال، وكذلك أساتذة الجامعات .

وفي المحصلة يجب أن يقوم كل من تقتضي وظيفته الاحتكاك بهذه المرحلة العمرية بالاستماع إليهم باهتمام وإخلاص، إذ إن جزءا من مرتبه يتقاضاه نظير التوجيه والإرشاد.. فلا بد من أن تقوم كل فئة بدورها .

أما الشاب الذي يعتقد أنه لا يجد من حوله من يستطيع أن يبوح له، فعليه أن يعيد النظر ويبحث أكثر.. فلا بد أنه مخطئ، حيث يمكنه أن يقوم بتجزئة أسراره على أصحابه بحسب قدرة كل منهم على التفهم والتقدير.. وكحل أخير يمكنه أن يمسك بورقة وقلم ويقوم بكتابة مشكلته، وفور أن ينتهي من الكتابة يأخذ نفسًا عميقًا، ثم يقرأ ما كتبه على أنه مشكلة أحد أصدقائه وليست مشكلته هو، حيث سيلاحظ أنه سيهدأ كثيرا، وأن المشكلة التي بين يديه سهلة يسيرة ولا تستعصي على الحل.

 

هشام عمر – القاهرة

 

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات