إيمان عادل تتوصل إلى سر الأمان في قصة “انسحاب إجباري”

إيمان عادل تتوصل إلى سر الأمان في قصة “انسحاب إجباري”

ترى ما الذي يجعل الإنسان يتمسك بأرضه وبالعيش في وطنه على الرغم مما يتعرض له على يد المحتل المعتدي؟ عن المأساة الإنسانية التي يتعرض لها ضحايا القمع على أيدي المستبدين بسطوة السلاح، كتبت القاصة المصرية الشابة إيمان عادل قصتها “انسحاب إجباري” ورسمت فيها صورة نفسية فائقة الجمال والدقة من خلال بطلتها الراوية.

تمثلت إيمان عادل في قصتها إنسانة مهددة بالموت في كل لحظة وتخيلت مشهدا كاملا سردت تفاصيله كلها حتى تستطيع التوصل إلى ذلك السر الوجودي المتأصل في عقل وقلب وضمير هؤلاء المساكين ويدفعهم للتمسك بالبقاء في أوطانهم، ألا وهو الشعور بالأمان!.

حقا إن الشعور بالأمان بغية كل إنسان ولكن كيف يتسنى لأحد الشعور بالأمان وهو يواجه الموت في كل ثانية تمر؟ وهنا نكتشف عبقرية الطرح الذي تقدمه القاصة الشابة، فهي، وإن لم تصرح، تقدم لنا فلسفتها الخاصة عن الأمان في كل الأحوال وليس فقط في مواجهة القتل المادي، فإحساس المرء بأنه في المكان الخاص به سواء بشكل مادي أو معنوي هو لهو سبيل كاف للشعور بالأمان حتى وإن كان معرضا للإحباط من الآخرين.

وتحمل قصة إيمان عادل نصيحة صيغت بشكل غير مباشر للإنسان في نهاية النص مفادها أن المحبطات أيا كانت لا يمكن أن تسيطر على العقل إلا إذا اكترث هذا العقل بها، وأن مواجهة هذه الإحباطات والمهددات بعدم الاكتراث وبالإيمان بأن ما عليه الإنسان هو الذي سيحقق له الشعور بالأمان، سوف يجعل هذه المحبطات تنسحب انسحابا إجباريا من العقل.

وصرحت القاصة إيمان عادل إلى “عشرينات” بأنها الآن مشغولة بتجهيز مجموعتها القصصية الأولى والتي ستكون كلها من قصص الدقيقة الواحدة أو “القصص القصيرة جدا”.

وأوضحت عادل أن قصص المجموعة يربطها ببعضها طابعها الفانتازي وغرابة أفكارها، وأعربت عن أملها أن تصل للقارئ من خلال لغتها السهلة، مشيرة إلى أنها تنتظر بلهفة رد فعل القارئ الناقد على أول إنتاجها الأدبي.

وكشفت القاصة أنها بدأت كتابة القصة القصيرة منذ ثلاث سنوات وصقلت موهبتها من خلال ورش العمل الأدبية بجامعة القاهرة خلال فترة الدراسة، وتمنت أن يحظى النشاط الطلابي في الجامعات باهتمام أكبر، وبخاصة أننا مقبلون على فترة جديدة من عمر الوطن العربي.

 * * *

انسحاب إجباري

أصوات وأضواء تحتل المركز الأول والأخير في إدراكها وذاكرتها، صورة ترتبط بها بقوة، تنتمي إليها بشكل ما, تدرك هذا وتعرفه رغم عدم إدراكها لماهية تلك الصورة.

شعور آخر يسيطر عليها هو أن هذا المكان الذي تجلس مستندة إلى أحد جدرانه والذي يسبح في الظلام الدامس، غير المخيف وغير المطمئن، جزء منها وهي جزء منه، لكن هناك من يأخذها من مشاعرها تلك، هناك من يقترب (من؟) تصرخ بقوة لكنها لا تسمع إجابة بل إن الخطوات تقترب أكثر غير مبالية بندائها.

يغمر المكان ضوء مبهر يجبرها على غلق عينيها تستنكر النور فتصرخ، ولكن القادم كأنه قد اتخذ من عدم المبالاة بها وبوجودها قاعدة له.

تتحسس جسدها قدميها رأسها وبصوت مضطرب تقول: “هذا مكاني” لكن الضحكات الباردة لهذا القادم والحوار الذي لم تفهم منه شيئا يسرب لها تيارا كهربيا يصيبها بالرعشة ويجعلها تكتفي بتكرار النداء داخل أسوار عقلها.

تنتزعها من ندائها رائحة تعرفها جيدا, رائحة الاشتعال، إنهم يشعلون عود ثقابا، لا بل أعوادا، تختنق فتسعل بقوة، تجبرها الدموع على فتح عينيها.

كل تفاصيل المذبحة التي قضت على أهلها اندفعت إلى ذاكرتها عندما رأت الجثث الملقاة حولها، ما جعلها تتجه نحو الأجساد الحية الموجودة في المكان وتقذفها بكل ما تجد في طريقها، حينها شعرت أن الضوء ينسحب ولكن في هذه المرة انسحابا إجباريا، لكن هذا لا يهم فهي تعرف أنها موجودة وأن هذا مكانها وهذا يكفي لتشعر بالأمان.

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات