دينا عبدالسلام  تنقب عن أسرار الماضي في بقايا الذاكرة

دينا عبدالسلام تنقب عن أسرار الماضي في بقايا الذاكرة

الماضي جزء لايتجزأ من الإنسان ..تمر عليه الأحداث وتغلبه ضربات القدر لكن تبقي قصص الحب والتضحية غير مطوية عالقة في ركن ما بالذاكرة إلي أن تفض عنها الأيام الغبار وأن أخذها الموج لايطويها النسيان لتبدأ من خلال تلك الذكريات قصص جديدة تدعو إلي الدهشة وتأمل أشياء لم نتلفت إليها من قبل.

وتحت عنوان “نص هجره أبطاله” كتبت الروائية دينا عبد السلام  خلاصة ما بقي في ثنايا ذاكرة بطلتها التي تشبه أبطال الروايات التراجيدية  حيث تدور أحداث الرواية بالإسكندرية من خلال سيدة عجوز تدعى منال نجيب تنقب في بقايا ذاكرتها لتسطر سيرتها وهي على فراش الموت لأجل رأب الصدع الذي ألم بعلاقتها وابنتها الوحيدة سحر جلال والتي شدت الرحال إلى القاهرة حيث استقر بها المقام غضبًا من الماضي وثورةً عليه، فتبدأ الرواية بمذكرات الأم بين راحتي الابنة بالقاهرة.

وتبدأ الإبنة رحلتها في غياهب تلك المذكرات، فإذا بنا أمام عالم مليء بالكمد والآهات وقدرٍ كبيرٍ من الوحدة والانعزال فلقد تيتمت منال وهي تبلغ من العمر عاما، فتولت جدتها لأمها-اعتدال هانم- رعايتها.

وفي عالم منضبط على إيقاعات صارمة ومأهول بالعجائز، تعلمت منال الفن الكلاسيكي واستقت أصول الحياة الارستقراطية. وحين بلغت عامها الثالث، ألحقتها جدتها بمدرسة فرنسية حيث عاشت تحت أمرة راهبات كاثوليكيات شديدات الحزم وفي سعيها الحثيث للخلاص من تلك الأجواء الخانقة، استغرقت في التأمل ما أثار حفيظة زميلاتها وزاد من عزلتها. وتظل الرواية تمهد لدخول شخصيات جديدة ووقوع أحداث ستقلب حياة البطلة رأسًا على عقب على نحو لم تعتده أو تتوقعه البتة.

 وبنهاية الرواية الصادرة عن دار الياسمين للنشر نرى الابنة في حالة من الارتباك والتخبط الشديدين، فالمذكرات تطرح الأسئلة أكثر من كونها تقدم الإجابات، ما يدفع بالابنه لكشف النقاب عن خبايا وأسرار الماضي، فتقرر العودة أدراجها إلى الإسكندرية فإذا بالنص مفتوحا للاحتمالات والتأويلات.

وللرواية التي تعد باكورة إنتاج عبد السلام  طابع غير تقليدي فلقد خرجت على هيئة مذكرات حقيقية بدءًا من كونها مكتوبة بخط اليد، مرورًا بالحذف والكشط والإضافات حينًا، وارتجاف وارتعاش الخط حينًا ما ينم عن مدى الوهن والإعياء الذي أصاب البطلة جراء معاناتها النفسية والجسدية على فراش الموت.

وعن ذلك الاختيار تقول دينا عبد السلام: “أرى أننا اغتربنا كثيرًا في الآونة الأخيرة عن خط اليد والذي تم استبداله بحروف المطبعة الجامدة، أردت أن أحتفظ بحرارة وحميمية الرسائل والمذكرات ومن هنا جاء قراري بإخراج العمل على تلك الشاكلة، والتي أرى أنها تضيف لمصداقية العمل وتمنحه بعدًا إنسانيًا”.

ولعل كون الكاتبة مخرجة (كما أخرجت فيلمًا روائيًا قصيرًا بعنوان “هذا ليس بايب” والذي شارك في العديد من المهرجانات العربية والدولية وحاز جائزة مخرجات عربيات من مهرجان بغداد السينمائي الدولي في العام 2011.) كان عاملاً محفزًا لخروج العمل على تلك الشاكلة فهي ترى الأشياء على صورة سينمائية قبل البدء في التعبير عنها لغويًا، لذا جاء إصرارها على البعُد المرئي والذي أخرجته جنبٍا إلى جنب مع كتابة العمل،

وتجدر الإشارة إلى أن الحنين والتوق إلى الماضي سمة رئيسة للعمل فلقد استحضرت الكاتبة  في روايتها زمانًا لم تعشه وعهدًا لم تعاصره فالأحداث تقع في قلب العصر الذهبي (الكوزموبوليتاني السكندري )، ما يؤكد أن سحر وألق تلك الفترة الزمنية، نفذا إلي وجدان الأجيال الجديدة عبر حكايات الآباء، والأجداد، وبقايا المعمار السكندري القديم الذي يقف شاهدًا على روعة حرموا منها فظلت تداعب خيالهم وتلهم أعمالهم.

ورغم كونها متخصصة في الأدب الإنجليزي، فإن الكاتبة  آثرت الكتابة بالعربية، فاللغة بالنسبة لها ليست كما قد يراها البعض وسيلة اتصال فحسب ولكنها تمثل وجدانها الذي تشكل على مر الأيام، فصاغ وعيها وحسها ورؤيتها للحياة، فالعمل علي سبيل المثال يعج بالأمثال الشعبية، والآيات القرآنية، والعادات والتقاليد التي تنبثق من لغة أضحت هي ذاتها ثقافةً ووجدانًا ووعيًا.

وعن الرواية يقول الكاتب الروائي إبراهيم عبد المجيد: “فاجأتني الدكتورة دينا عبد السلام بهذه الرواية المدهشة أنا الذي لم اقرأ لها شيئا من قبل . صعب جدًا أن تبدأ في رواية فلا تتركها من يدك في هذا الوقت المليء بالضجر الذي تدعوك إليه الأحداث كل يوم . لكن رواية” نص هجره أبطاله “كأنما كانت حلما انتظره أخذتني إليه فقرأتها في نهم ولم أترك مكاني إلا وأنا منته منها. وفي قلب الإسكندرية الضائعة وأهلها الذين طواهم الموج، تحقق لي ما كتبته يوما عن الإسكندرية، قصص الحب قد يأخذها الموج لكن لا يطويها النسيان، تعود من جديد سحبا خريفية. وهنا لسنا أمام قصة حب فقط، قصة عالم جميل اندثر تحكيه البطلة – الأم -علي مهل في لغة محملة بالموسيقي والشجن مرتاحة كزمانها وترتاح هي بين الصفحات تشطب وتنام فتترك آثار الشطب والفراغات فإذا بنا لسنا أمام نص أدبي فقط لكن صورة سينمائية أيضا ووهم بالحضور في قلب الغياب..”

 زينب عيسي

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات