عزيزتي الفتاة هل غصتِ يوما في نفس شاب وسبرت أغوار انفعالاته في ما يخص احتكاكه النفسي بالنساء؟.. عزيزي الشاب هل تخيلت يوما أن فتاة ما تستطيع أن تتلبسك حتى النخاع فتخبرك بما يدور في خلدك وربما بما لا تنتبه أنت له حين تتعامل معها ومع غيرها؟.. فلتقرأوا إذن رائعة القاصة المصرية الشابة رنا عمر “الرهائن”، لتعرفوا أن حدس الأنثى لا حدود له.
تنطلق المبدعة رنا عمر في قصتها القصيرة “الرهائن” من أشد لحظات الأنثى وجعا، وهي إحساسها بأنها ليست الوحيدة في حياة حبيبها، لا سيما وأنها متأكدة من أنها واحدة من حبيباته، أو ربما حبيبته السابقة والتي يفكر في إعادته له، لأنه متأكد من أنها ما زالت متعلقة به، وتصف ببراعة وحذق مأساتها دون دموع، ومأساة دونجوانها زير النساء.
زاوية التناول لدى القاصة رنا عمر لموضوع القصة – وإن تكررت – جاءت مختلفة، فقد شبهت النساء اللواتي وقعن في يد حبيبها بالرهائن وصورتهن مقيدات بسلسلة طويلة تجرح أجسادهن وينتظرن جميعا أن يختار الرجل منهن واحدة لتكون خليلته، ولكن ما الذي يبحث عنه هذا الرجل في نسوته لحسم اختياره، ربما تكون عينا المرأة مصدر جذب للرجل، ولكن بطلة القصة تعرف أن لديها ما هو أبعد من عينين لأنثى، إنها تعرف أن كل ما فيها له عين، إنها مميزة بذلك، كما أنها تعرف أن لها شراسة تكفي لتجعله ينجذب إليها وتجعلها تصر على أن تكون معه، وعندها ستنتصر عليه وتضعه في قيدها.
وبخلاف التناول المغاير للموضوع، حملت قصة رنا عمر “الرهائن” نهجا خاصا في توزيع القصة على فصلين لتبرز قدرتها على التعبير الواضح عن أدق تفاصيل الانفعالات النفسية المتداخلة بين رجل وأنثى ورجل ونساء وأنثى ونساء، كما أعادت إلى القصة العربية الراوي الذي يكسر الحائط الرابع للمسرح ولكن بشكل مختلف، فيخرج الراوي في كل فصل بجملة علمية بحتة يخاطب بها المتلقي مباشرة، ومن ثم يبدأ الفصل.
وصرحت القاصة الشابة إلى “عشرينات” بأنها تعمل حاليا على تجهيز مجموعة قصصية من نوعية القصص القصيرة جدا أو قصص الجملة الواحدة أو اللقطة الواحدة، وأضافت أنها في الوقت نفسه تكتب روايتها الأولى والتي تتكلم فيها عن “العوالم الموازية”.
وأشارت الأديبة إلى أنها ستنشر ما ستنتهي منه أولا سواء المجموعة القصصية أو الرواية، وتستهدف أن يكون النشر مع بداية العام المقبل 2014.
***
“الـ” أداةُ تعريفٍ .. تُعرِّف المنكّر .. ليصبح القريب .. لكنها لاتستطيع أن تعرف من يريدون التنكر -والليلة ثمة أشخاص يريدون التنكرـ …. المؤلف.
الرهائن
“يقال أنا رهينٌ بــ : يعني مأخوذٌ به” – المعجم الوجيز …
تقف الرهائن في صف منتظم الشكل وكأنه يوم حشر.. تتقيد معاصمهن وأرجلهن إلى سلسلةٍ واحدةٍ طويلة.. وفي آخر الصف تستقر نهايتها بيده “هو”.. عدد حلقات السلسلة يوحي بطول الأيام التي عكف فيها مجتهدا من أجل حشد هذا العدد اللعين منهن.
الحارس الأسمر على الباب ينتظر.. حان موعد العرض.. يشير إليه بالبدء.. ككل ليلٍ يتحركن نحوه بخطوات وئيدة بالقدر الذي يسمح به القيد فتعلو أصوات احتكاك القيود بلحمهن مع جلبة يصدرها صرير السلسلة تطرب أُذنه.. يُعرضن عليه.. يتأملهن مليًا.. ويفكر قليلا ويحدث نفسه بأنه كم هو مرهق اختيارك الفريسة.. ينظر في عينَي كل منهن عله يجدها.. فلكلٍ منهن عينان فقط.. أما هي فلا مثيل لعينيها، فلكُل ما فيها عين.. ولا هناك صوت يحمل إليه نبراتها.. تأخذه خطواته باتجاه أول الصف يوجه نظره إلى إحداهن فتلتفت إليه فيتذكر ما كان بينهما ويشتاق إلى تلك الأيام، فالليلة هو يشتهي الشُقر غير أنه لا يعشق سوى شعرها الأسود ملء حلمه.. فليخترها شقراء إذن!!
بمجرد أن نظر إلى شقرائه بدأت في إصدار أصوات خافتة غير مفهومة، وكأنه أنين مكتوم فلطالما اشتهته هي الأخرى لكنه دائم التنكر للعمر القديم.. يضع عنها قيدها.. ويصرفهن لتبقى معه وحيدة.
الحارس الأسمر لا يتحرك من مكانه إلا عندما يشير إليه أيضا بالانصراف.. فينصرف.
“والليلة ثمة أشخاص يريدون التنكر”..
اللحم الأحمر تحت القيد يغري ساديته بالتقبيل.. يُقبّل أماكن قيدها ويبكي.. يتلمس طريقه في حدائقها ويبكي.. ينام على سوسنة شعرها ويبكي.. يخطو خطوات في دروب الياسمين والزنبقات فيبكي.. تمتزج روحها فيه ولا تمتزج روحه أبدا إلا في حُلمهِ البعيد.. يبث حلمه البعيد فيها فيعلو صوت اشتياقها فيبكي.. يجتث من على أرضها حصادا لم يزرعه ويقطف ريحان نشوتها مرتجفا غير مرتوٍ ويسكن.
***
“احتراف الحزن لعبته المفضلة.. التي تَجبِل أي قلب على اتباعه.. فكل رهائنه مريديه.. هو لن يشعر بفاجعة الفقد.. هو من يجبرهن على الرحيل.. ليعدن إليه رهائن فلا يرحلن أبدا.. حسبهن فقط.. أنه هو صاحب السلسلة.. أما الليلة فهو صاحب الحزن وشيطانه!!..”.
يصيب منها ما يصيب ينتهي منها وفيها فيذهب.. وقبل ذهابه يقيد معصميها وقدميها ويتركها لتعود إلى الصف.
“تتسلل روحه بعيدا بقرب حلمه لتغفو هناك.. وتترك الشيطان حزينا”.
يجلس وحيدا.. يطفئ كل مصادر الضوء، وعينه.. وينتظر صوت حُداءٍ خافتٍ يأتي من غرفة الحارس كل ليلة:
“هتسيبني ليه؟.. وقت أما كنت خلاص باجيلك..
يا جبن قلبك والفزع..
يا جبن قلبك والوجع..
تجري دموعي في سكتي قبل ما أجيلك..
واقطع وريدي.. يمكن يحس بسيل دمايا في يوم وريدك!!”.
يبكي وحيدا حتى الصباح.. لأنه يدرك بعد كل صباح أنه هو الرهينة..
***
“الرهن: هو حبس الشيء بحق ليستوفى منه عند تعذر الوفاء” –المعجم الوجيز-
…
يشتد الحارس اسمرارا.. فيشير إليه بالبدء.. فيصطففن أمامه.. فيبتسم ابتسامة مع نظرة إلى اللاشيء تدل على الترحيب بمجيء صاحبه، فحفاوة الترحيب به مطلوبة.. يقرر أن يغير قواعد اللعبة قليلا لتبدو أكثر متعة.. سيترك الاختيار لهن الليلة.. فهذه الليلة تحديدا تحمل بقلبه ذكرى خاصة ويريد أن يئدها.. يصدرن جميعهن أنات خافتة فتجذبه أعلاهن صوتا وكأنها تناديه.. يدرك حينما ينظر إلى عينيها أنها أشرسهن وأنه لم يسافر من قبل مع غجريات قط، والليلة لابد أن تبدو مختلفة..
تبدأ مراسم الليلة بالإشارات حيث الإشارة بانصراف الصف ثم الحارس.. فينصرف.
يجنح صاحبه نحوها ليقتنصها معه فيمنعه لأنه بطل الليلة.. فيخبئ أجنحته ويخبو..
يبدأ في مراوغتها.. تتمنع وتفرد سلال شعرها الأسود فيشتعل طرف جناح شيطانه فلطالما عشقا الشعر الأسود.. تخلع عن وجهها وجها.. وتتجرد من كل شيء ماعدا عينيها.
يشتعل جناح صاحبه الآخر وهنا فقط يدرك أن الليلة تختلف فعلا عن كل ليلة.. إنها هي..!!
كان يعلم أنها لن تتركه في يوم مولده وحيدا.. كم كان يحلم كل ليلة بأن يغفو على صدر حلمه.. وكم من المرات تسللت روحه تاركة جسده، وكم من المرات اشتد سواد الحارس وحزن الشيطان..
يا الله..
-تعالي..
خبتْ كل شراستها وخبأت نصف غجريتها في نظرة عاشقة.. وأتت على استحياء.. لم يحلم أن تكون تلك اللحظة هكذا.. سلم لها كل مفاتيح أبوابه السرية وكل دهاليز روحه.. انتظر هذه اللحظة مدى الحياة.. أخرجت خنجرا منقوش عليه حروف اسمه الأولى وطعنته في قلبه فنزف حلوى.. قبلته برقة بادلها اشتهاء باشتهاء.. أوغلت في الطعن فنزف دمعا.. أطبقت على شفتيه فبادلها امتزاجا بامتزاج.. ازداد الطعن سرعة وهي تقبل رقبته من الخلف قبلة لا يعرف معناها إلاها.. قذف في رحمها نطفة.. همست في أُذنه بكلمات تمنى أن يسمعها بصوتها .. ابتسم.. ثم ضحك، وهنا توقفت الطعنات.. وفي نصف المسافة بين الوعي واللاوعي انسابت موسيقى تصدر نغمات متجانسة تصنع حالة من الخدر انساب معها حديث هامس حتى الصباح..
في الصباح.. لم يشتد الحارس اسمرارا.. عندما رأي القيد في معصم سيده وفي قدمه.. وهو لايزال مبتسما.
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات
الوسومالرجل الرهائن المرأة رنا عمر قصة