“للفراش دم” لـ”محمد حمدي أبو السعود”.. روح باردة تتدفأ بالمحبة

“للفراش دم” لـ”محمد حمدي أبو السعود”.. روح باردة تتدفأ بالمحبة

صدر أخيرا عن دار “روعة” في القاهرة ديوان “للفراش دم” للشاعر المصري الشاب محمد حمدي أبو السعود الذي صدر له من قبل ديوان “وابيضت عيناه”. جاء الديوان في 80 صفحة من القطع الصغير ويتكون من 18 قصيدة تتراوح بين قصائد شديدة التكثيف وأخرى طويلة نسبيا.

وصرح الشاعر محمد حمدي أبو السعود إلى “عشرينات” بأن ديوانه الثاني “للفراش دم”، كتبت قصائده في خلال العامين الماضيين (2011، 2012) بخلاف 4 قصائد كتبت في فترات قديمة ترجع إلى 5 أعوام لكنه وجد فيها اتساقا مع الفكرة العامة للديوان فلم يتوان عن نشرها على الرغم مما قد يظهر من تفاوت في مستوى الكتابة بينها وبين القصائد الجديدة.

وأضاف أنه، وبمجرد الانتهاء من حفل توقيع ديوانه الثاني الذي سيقام يوم الأربعاء المقبل، سيطوي هذه المرحلة من تجربته الإبداعية لينطلق إلى منطقة أخرى أكثر عمقا وجلاء في آن واحد، يفتش من خلالها عن الإنسان الحر العاقل الذي يتخذ من حريته وعقلانيته نقطة انطلاق إلى المساهمة في التكريس لحرية الفرد العالمي والأخذ بيده إلى تحكيم عقله لتستقر عاطفته على ما هو جدير بأن يكون عليه مع نفسه والآخرين كآدميين.

شاعرية الذات

وتسيطر على الذات الشاعرة داخل الديوان حالة من الوحدة والشجن الشفيف وهواجس الموت في كثير من القصائد؛ خصوصا في النصوص الأولى، وتشعر الذات بكثير من البرودة والوحشة التي تنتقل من الروح إلى الجسد، يقول في قصيدة “نديم”:

” الليلة باردة ..

والشارع خال ..

إلا من صرخات الصمت

وقرقعة ..

لعظام الموتى

وتخوم من أشجار الغرقد..

وأياد مبتورة “.

هكذا ينبني عالم الذات داخل الديوان، حيث نجدها محاصرة بين البرودة والصمت وقرقعة عظام الموتى وأياد مبتورة لا يمكنها انتشال الذات الشاعرة من وسط هذه العوالم الكابوسية بقدر ما تنضاف إلى أسباب الألم والوجع، ما يتسبب في الشعور بالاغتراب الشديد عن العالم، تتأمل الذات العالم من حولها بحثا عن شيء أو شخص يدفئ الروح، محاولة أن تتلمس نوعا من الطمأنينة عبر اللجوء إلى آخرين، والخروج من حالة الاغتراب التي يعانيها، فتتحول الذات إلى كاميرا ترصد تفاصيل الوجود من حولها كما يقول في قصيدة “كعكة اليتيم”:

“في بلدة الصمت

أفئدة من ضجيج

وأخيلة من فراغ

وأفواههم من نحاس

وآذانهم نبتت في أصابعهم

ولهم أعين لا يرون بها

تنحو الذات الشاعرة ناحية افتعال حرارة ما”.

لا شيء، إذن، ينقذ هذه الذات من وحشتها، فالعالم من حولها موحش، وكأنها تستدعي مقطع حجازي الشهير “هذا الزحام لا أحد”، ومن ثم تكتشف عدم جدوى بحثها عن آخرين، لكنها –رغم ذلك- لا تكف عن محاولاتها للبحث عن دفء الروح المفقود، وتحاول أن تصطنعه، حيث يقول في قصيدة “أذود عن غيمي”:

“بي غريب

عانق الليل غريبا

وتغنى بالوحيدين

تلظى بافتعال الشوق

والشوق يناجي من يناجيه بليل”.

إنه الشوق والحب، إذن، حتى ولو كان شوقا مفتعلا ومصطنعا، هو الذي سيحول برودة الروح إلى لظى، لتستعر النيران داخل الروح والقلب والجسد، لتغطي على البرودة والجود اللذين يحيطان بالأنا الشاعرة، وتستعيد الذات توازنها وتتمكن من إثبات حضورها الفاعل في العالم، وليس حضورا كالغياب كما كان، فتسعى الذات للهروب إلى الحب وامتلاء الروح، فهو ملاذها الدافئ، حيث يقول في قصيدة “فضيلة الاعتراف”:

“أحبك

لست أدري

ما الذي قد يستجد

إذا أنا أعلنتها

لكنها النيران،

تعدو داخلي

وتسابق الزمن المجمد”.

هذه الذات ليست معنية بتبعات هذا الإعلان، لكن شيئا واحدا هو الذي تعرفه وتدركه وهو أن النيران ستعدو، مع ما تحمله “النيران” و”تعدو” من دلالات التوهج الحركية، السخونة والاكتشاف، وفي الوقت نفسه قدرة الذات على سباق الزمن وخلق زمن خاص بعيدا عن “الزمن المجمد”، فتستمد الأنا الشاعرة حضورها من وهج الحب وحرارته، التي تنقلها من زمنها الثابت ومكانها الذي لا حياة فيه، ولكن يبقى السؤال: من الذي يستطيع أن يمنح الذات الشاعرة كل هذا الحب الذي يمنحها الحضور، هذا ما نعرفه في قصيدة “الشعر أحلى” –مع ملاحظة استخدام أفعل التفضيل في كلمة أحلى- حين يقول:

“هو الشعر

يشبه أن تمسك الكون من شعره

وتقول: “أنا” وسواي فراغ..

وتقسم إنك ..

أوتاد أرض ..

وأعمدة للسماء

هو الشعر يا صاحبي”.



عمر شهريار

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات