ما الرؤية وما الرسالة وما علاقتهما بتحقيق الذات؟

ما الرؤية وما الرسالة وما علاقتهما بتحقيق الذات؟

لعل من أكثر المصطلحات التي راجت مؤخرًا حتى أصبحت مملة من كثرة تكرارها، مصطلحي الرؤية والرسالة، فلا تكاد تجد أحداً ممن لديه أدنى اهتمام بتطوير الذات إلاّ ويتكلم عنهما. والمؤلم أنك عندما تسأل أحدهم ما رؤيتك؟ وما رسالتك؟ لا تكاد تجد إجابة!! وإن وجدت الإجابة، لم تجد عند قائلها تحديدًا منضبطًا للرؤية والرسالة أو تعريفًا جامعًا مانعًا لهما؛ والأدهى من ذلك أن الخلط في هذين المصطلحين يكاد يكون سمة عامة بين المهتمين بتطوير الذات فضلاً عن غيرهم. ولعل السبب في ذلك عدم تجربة الرؤية والرسالة وتذوق طعمها والإحساس بها عند الكثير منهم.

هل سبق أن فكرت في زيارة المسجد الحرام وتأدية العمرة؟ هل تفكر في ذلك الآن؟ إذا كانت إجابتك نعم، قل لي ماذا شاهدت في ذهنك من صور؟ هل رأيت نفسك بلباس الإحرام؟ أم رأيت نفسك في المطار أو السيارة؟ هل رأيت الكعبة؟ هل رأيت نفسك وأنت تقصر شعرك أو تحلقه؟ هل شاهدت صحبتك أو من تحب أن يؤدي معك العمرة؟ أم أنك شاهدت غير ذلك من الصور المستقبلية في ذهنك؟

أما إن كنت لا تفكر في أداء العمرة الآن، فأرجو منك أن تفكر في أمر مستقبلي محبب لك يشغلك الآن جدًا وتريد أن يتحقق في المستقبل. أرجو أن تتصور هذا الأمر كما لو أنه حدث فعلا بالشكل الذي يناسبك وبالكيفية التي تحب بكل ما في الأمر من تفاصيل وبكل ما فيه من أصوات وأحاسيس ومشاعر. شاهدها وتأمل فيها بألوانها وبكل ما فيها  من تداخلات وتفاصيل. لعلك بدأت الآن تشاهدها كما لو أنها برنامج مرئي على شاشة عالية الوضوح والدقة؟ استمر في التمتع بما تشاهد في ذهنك وعندما تشعر أنك اكتفيت من هذه المتعة، تابع القراءة.

إن كنت قمت بأي من التمرينين السابقين بجد وكنت مركّزًا في أدائك، فمن المؤكد أنك رأيت صورة في ذهنك مثل ما يحدث لكل البشر الأسوياء، فنحن كبشر نفكر بالصور فأنت عندما تريد الذهاب إلى وجهة محددة تريد فعلاً الذهاب إليها، ففي الغالب أنك ترى صورة وجهتك تلك أو صورتك وأنت فيها وهذه ببساطة هي ما يتفلسف الكثير ويتحدث عنها وهو لا يعرف أنها الرؤية. إن الرؤية صورة ذهنية واضحة في المستقبل ترسم حصيلة أو نتيجة ما يطمح إليه الإنسان.

لو عدت وسألتك عن وجهتك السابقة التي تريد الذهاب إليها: كيف تريد أن تصل هناك؟ ما أنت فاعل؟ وما الوسائل التي ستستخدمها للوصول هناك؟ إن الإجابات عن هذه الأسئلة، تشكل ما يسمى بالرسالة. والرسالة هي الترجمة التي شاعت لكلمة Mission والتي تستخدم في أدبيات تطوير الذات الغربية والتي ترجمتها الأصلية، مهَمّة أي: ما يهتم المرء بالقيام به ويشْغَله إلى أن ينجزه. وأظن أن الترجمة العربية تأثرت بأعظم مهمة مرت على تاريخ البشرية وهي الرسالة التي كلف الله بها رسله لتبليغ شرعه لعباده والدعوة إليه وأي مهمة أعظم من ذلك .قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًۭا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحًۭا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴿33﴾ }  فصلت: ٣٣

أما تعريف المهمة أو ما يسمى بالرسالة فيمكن أن نعرفها، بأنها مهمة الإنسان وقضيته في الحياة التي يعملها ويستمر بعملها من أجل تحقيق رؤيته. فلو كانت رؤية إنسان ما أن يكون من أفضل عشرة أشخاص على مستوى دولته في مجال ما من مجالات الحياة المختلفة أيًا كان هذه المجال، فإن ما يقوم به من أمور للوصول إلى رؤيته هو رسالته وقد تكون مثلاً “الوصول إلى أن أكون واحدًا من أفضل عشرة في مجال كذا على مستوى بلدي من خلال التعلم والممارسة والإتقان وبذل الجهد وحسن المعاملة”. ولاحظ كيف أن الرسالة تولدت من الرؤية فالشق الأول من الرسالة أو ما يسمى بالغاية هو رؤية الإنسان والشق الثاني منها والذي يسمى الوسيلة يعبر عن الكيفية التي يسعى الإنسان لتحقيق رؤيته من خلالها. وقد تتنوع الوسائل ولكن الغاية تبقى واحدة.

 

المهندس سلمان الشمراني – مستشار هندسة الأعمال والتنمية البشرية

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات