تطوير الذات بين التعريف والتخريف

تطوير الذات بين التعريف والتخريف

ربما أنك لاحظت أنه يتردد في الآونة الأخيرة مصطلحات عديدة ومختلفة تسمعها من وسائل الإعلام المختلفة. مثل العودة إلى المربع الأول أو منطق العصا والجزرة أو غيرها من المصطلحات الاجتماعية أو السياسية أوحتى الاقتصادية. هذه المصطلحات قد تمر عليك وعلى الكثير غيرك مرور الكرام على الرغم من خطورة دلالاتها المعرفية.

ولنأخذ مصطلح الشرق الأوسط كمثال على ذلك. هذا المصطلح الذي تسمعه ونسمعه معك كل يوم مرات كثيرة ولكن القليل منا يعرف معناه.هذا المصطلح الذي يصف موقعًا جغرافيًا يقع بين الشرق الأدنى لموقع آخر و بين شرقه الأبعد وهنا ينشأ السؤال التالي: هذاالشرق الأوسط بالنسبة لمن؟ أو أين يقع بالضبط على الخريطة؟

إن مصطلح الشرق الأوسط يعبر عن موقع جغرافي يضم دولاً مثل باكستان وتركيا والدول العربية بالنسبة لموقع جغرافي مرجعي ألا وهو أوربا أو بريطانيا تحديدًا لأن هذا المصطلح خرج من مكاتب وزارة خارجيتها أيام كانت تحتل أغلب الدول في أسيا وأفريقيا وكان اسمها بريطانيا العظمى.

ولعل هذا الأمر حرك في رأسك الكثير كما فعل بي من قبل ولعلك تتساءل ما الذي يجعلنا نتقبل هذا المصطلح الذي يجعل بلداً مثل بريطانيا صغيرًا في حجمه لم يعرف لها حضارة إلا من عدة قرون من الزمن نقطة مرجعية لمنطقة أصيلة نزلت فيها جل الرسالات السماوية وهي مهد الحضارات الإنسانيةالأول؟!

ولعلي لا اذيع سراً إن قلت لك أن أغلب خلافاتنا تنشأ من عدم ضبط تعريف الكلمات فضل عن المفاهيم وعدم الوصول إلى اصطلاح ثابت يمكن الركون إليه في فهمها وتفسيرها وتعريفها، فكم من مرة يسمع الإنسان كلمة أو مصطلح من شخص آخر، فتحدث له الكثير من الألم أو يفهم منها الموافقة أو الرفض والأمر عكس ذلك تمامًا!

إن مفهوم تطوير الذات لا يشذ عن هذه القاعدة والحقيقة أني خلال رحلتي في عالم تطوير الذات والتطوير الإداري قد واجهت أمراً غريبًا فهو وعلى الرغم من كونه شديد الوضوح لمن تأمل فيه إلا أنه يمر مرور الكرام على الكثير منا، هذا الأمر هو التباين الشديد في تعريف مصطلح تطوير الذات ليس بين الناس عموما بل وبين المهتمين به خصوصاً ولعلك سترى ذلك جلياً لو قمت بعمل التجربة التالية: اسأل عشرة من الناس مترفقين عن معنى تطوير الذات ودون الإجابات ثم قارن بينها.

إن تطوير الذات من الناحية اللغوية يعطي إيحاءً بالتقدم والرقي، وأنه لا بد أن يكون المرء في كل يوم أفضل منه في اليوم الذي قبله، ولكنه وللأسف لا يحدد المرجعية التي يمكن من خلاله قياس التقدم أو التأخر. وهذا النقص الخطير قد يفتح الباب على مصراعيه للغلو المفرط والسعي إلى الكمال المرهق للنفس كما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم”المنبت لا أرض قطع ولا ظهراً أبقى” فمن يركب على دابته وينطلق في أرض واسعة علىأشد سرعة ما يلبث إلا أن يمل ويفتر فلا هوالذي قطع مسافة كبيرة من الأرض ولا هوالذي حافظ على دابته بل أرهقها. كما أن غياب المرجعية قد يفتح الباب أيضاً لتلقي الأفكار والمعلومات في مجال تطوير الذات دون أن يكون هناك ميزان دقيق يفرق به بين الحق والباطل.

لا أدري أن كنت قمت بالتمرين السابق؟

أما أنا فقد قمت به وبعدما سألت العشرات من الناس خلصت إلى أنه لا يوجد تعريف دقيق جامع مانع لهذاالمفهوم بل هناك اختلاف وتباين شديدين بين كل تعرف والآخر. بل لم ترتح نفسي إلى كثير مما وجدت من تعريفات تطوير الذات لغياب المرجعيةوغياب التعريف الجامع المانع، فتوكلت على الله وابتدعت التعريف التالي لما يسمى بتطوير الذات وهو محل نقاش وتصويب ورأي يحتمل الخطأ.

أولاً ماذا أعني بتطوير الذات؟

هو تنمية واكتساب أي مهارة أو معلومة أو سلوك تجعل الإنسان يشعر بالرضا والسلام الداخلي وتعينه على التركيز على أهدافه في الحياة وتمكنه من تحقيقها وتعدّه وتجهزه للتعامل مع أي عائق يمنعه من ذلك.

افتراضات هامة على التعريف

وحتى يتضح الأمر أكثر دعني أطرح بين يديك أهم الحيثيات التي اعتمدت عليها في خروج بهذا التعريف. إن التعريف المذكور أعلاه بني على افتراضات هامة وأصيلة وهي باختصار التالي:

– أسمى أهداف الإنسان المسلم وغاياته هو الوصول إلى الجنة ولابد أن يصرف حياته كلها في ذلك.

– تطوير الذات لا يخرج عن مقاصد الشريعة فلا يطلب الإنسان تطوير نفسه فيما لا يتفق مع الثوابت الشرعية.

– تطوير الذات لا ينفك عن تزكية النفس من الناحية الشريعة بل هو حالة خاصة من تزكية النفس فهي الأصل الذي يسعى إليه كل مؤمن عاقل .

– تطوير الذات مهمة مستمرة دائما لا تتوقف .

 

المهندس سلمان الشمراني – مستشار هندسة الأعمال والتنمية البشرية

هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات