رغم كل عمليات التجريف التي طالت الأغنية العربية إلا أن المواهب العربية مازالت في حالة ثراء متواصلة جيلا بعد جيل، وما زالت هذه المواهب تتلمس طريقها محاولة وضع بصمتها على الثقافة العربية.
لكن بسبب حالة الفراغ التي تركتها المؤسسات الثقافية الرسمية جاءت مسابقات القنوات الفضائية مثل برنامج ” عرب أيدول ” ومن خلفها شركات الإنتاج الفنية لتستثمر هذه المواهب في صالحها، ومن ثم تقوم بعملية ” تعليب فني” تعيد إطلاق هذه المواهب بشكل يتوافق مع آليات السوق الغنائي والتي تحكم السيطرة عليه بقوة المال.
نسخة عربية قبيحة
هل هناك عقم إبداعي في ابتكار برامج جديدة تناسب ثقافة المشاهد العربي بدلا من هذه البرامج المستنسخة؟
فكرة البرنامج انطلقت في بريطانيا عام 2001 بمسمى “بوب أيدول ” سعيا وراء اكتشاف مواهب غنائية، وحقق حينها نجاحا أدى إلى انتقال الفكرة للولايات المتحدة الأمريكية تحت مسمى “أمريكان أيدول ” وحقق أيضا نجاحا عاليا تم على أثره اعتماد مسمى “Idol “ كعلامة تجارية قانونية تعطي بموجبه حق امتياز عرض البرنامج في 47 بلد حول العالم .
طريقة البرنامج تعتمد على عرض مواهب غنائية بطريقة تلفزيون الواقع على مسرح يتوسطه لجنة تحكيم تعطي رأيها حول أداء كل متسابق ويترك الحكم للجمهور للتصويت على الموهبة الأفضل ويخرج المتسابق الأقل تصويت.
بالنسبة للنسخة العربية من برنامج “Idol” فهذه تعتبر الثانية بعد ” سوبر ستار ” وقدمت وجها قبيحا للمواهب العربية على مستوى الفني والأخلاقي.
في بداية البرنامج تم عرض مقاطع مصورة تظهر بعض المشاركين بطريقة مهينة يتم فيها الاستهزاء والسخرية ببعض المشاركين من قبل لجنة التحكيم بطريقة لم يتم فيها احترام المشاركين أو المشاهدين.
ومن مثالب البرنامج أيضا اعتماد البرنامج على المظهر على حساب الجوهر، وعلى الأسماء الرنانة بغض النظر عن المعايير الفنية مما يضمن للبرنامج ترويجا أكثر، وافتعال إثارة مصطنعة لتحقيق مكاسب مادية بحتة بغض النظر عن النتائج.
ومما يزيد الطين بلة أن شركة الإنتاج الفنية التابعة للقناة المنتجة للنسخة العربية وقعت مع أحد المشاركين الذين خرجوا من البرنامج لمدة 10 سنوات !! – حسب جريدة الشرق السعوية – ماهو إلا دليل أخر على الدور السلبي الذي تلعبه في إفساد الذائقة العربية.
برنامج “عرب أيدول” ضم بالفعل بعض المواهب الحقيقية والتي إذا استمرت ستعيد ذاكرة الفن الجميل، لكن الخوف سيكمن في مصير هذه المواهب بعد انتهاء البرنامج، فإما الخضوع للآليات السوق ” المعلبة ” أو الحرمان من الظهور مرة أخرى.
إذا فهمنا غياب دعم هذه القنوات والشركات للفن الراقي ومشاريع إحياء التراث العربي الأصيل، فالأمل قائم في استعادة المؤسسات الثقافية الرسمية مثل النقابات الموسيقية والأندية الأدبية لزمام المبادرة واستثمار رياح التغيير التي تمر على المنطقة بشكل إيجابي يصلح الوضع القائم ويعطي كل موهبة عربية حقيقية حقها من دون الحاجة إلى شركات “التعليب”.
هذه المواد من أرشيف محتوي موقع عشرينات